مشاهد من حضرة الشيخ مامين

باسمي وباسم أسرتي أهل عمار أعزي كافة الشعب الموريتاني وخاصة علماء هذا البلد وجميع أفراد قبيلة تجكانت وأسرتي أهل الشيخ أحمد أبوا المعالي وأهل لمرابط اباه ولد محمد الامين وجميع تلامذة الشيخ ومريديه. في وفاة والدنا وعمنا وشيخنا الشيخ محمد الامين ولد عمار <مامين> كما أشكر كافة المعزين في جميع أنحاء الوطن.

 
في هذه الخاطرة القصيرة أود أن أتحدث عن عمي وشيخي كما عرفته. أشفق على قلمي من أن أحمله عبأ سرد مناقبه و علمه وورعه  فذاك مبلغ صعب مرتقاه ولا يستطيع الكاتب وان أوتي بيان قس أن يأتي بعشره:

أكتفي في هذه الخاطرة ببعض المشاهد التي كان لي عظيم الشرف أن حضرتها مع شيخي. لقد كان لي شرف أن لازمته ردحا من الزمن كطالب علم وابن  في محضرتيه العامرتين في كل من باركيول وأكرج.  كما أقمت معه زمنا في انواكشوط والمملكة المغربية.

من خلال معاشرتي لهذا الشيخ الجليل الذي يعتبر مدرسة في العلم والورع استفدت عدة دروس من سيرته العطرة.

لقد كان رحمه الله كريما جوادا يعطي ما في يده ويكره البخل ويذمه, يعطي كل شيء صغر أو كبر وكان دائما مايقول لنا "لا يمنعنك من معروف قلته" فتراه في اليوم الواحد يعطي هذا بقرة وذا جملا وذاك ألف أوقية. كان رحمه الله يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فكأن الشاعر يعنيه بقوله:

تعود بسط الكف حتى لو أنه           ثناها  لقبض لم تجبه أنامله

ولو لم يكن في كفه غير روحه       لجاد بها فليتق الله سائله

لقد كان أيضا رحمه الله حليما صبورا سمحا, لقد أقمت معه وهو يدرس مايزيد على مائة طالب يدرسهم جميع العلوم الشرعية من تفسير قرءان وفقه ونحو وبيان ففي محضرته يصح أن يقال:

فيها تجمع سيبويه

 لم يتعجل قط عن طالب قبل أن يدرس ويفهم ولم تصدر عنه كلمة نابية في حق أي من طلبته ولا من غير طلبته فكان يدعوا الله للكل ويفرح بكل قادم إليه حتى ليحسب كل قادم أنه هو مركز الاهتمام ,

كرمت نفسه فما يخطر السوء          علي قلبه ولا الفحشاء

. وكان رحمه الله يحدث الكل حسب مستوياتهم العلمية و الفكرية يداعب الأطفال ويدرس الكبار ويحاور العلماء.

 

لقد كان رحمه الله محبوبا من قبل كل من رآه ويصدق فيه الحديث:

 

  عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ان اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ:

 إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ " . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الأَرْضِ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ الأَرْضِ 

لقد احبه تلامذته ومريدوه وحتي الغرباء أحبوه فلم نكن نأتي الى مستشفى أو نركب تاكسي أو حتى نسير في شوارع المملكة المغربية الا وتحلق من حولنا الناس يلتمسون البركة والدعاء <سيماهم على وجوههم من أثر السجود>

كان رحمه الله عابدا أشد العبادة فلم يكن ينام من الليل إلا قليلا ممتثلا قوله تعالى <يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا> لم   أستيقظ ساعة من ليل إلا رايته ساجدا أو او قاعدا أو قائما يناجي ربه.  

أخيرا لم أشأ أن أن أكتب في هذه الخاطرة عن حياة شيخنا ووالدنا ولا عن علمه وورعه وأخلاقه إذ لا طاقة لي بذالك كل ماكتبت هنا هو عبارة عن بعض المشاهد والمشاهدات من حضرة هذا العالم الرباني الذي عاش متتبعا سنة المصطفي عليه الصلاة والسلام حتي ان من يرى عمله  كأنما يقرأ من كتاب من كتب السنة

رب  رحماك فقد نزل بك ضيفا  أمضى حياته في طاعتك فأته ماوعدت الصديقين والشهداء وبارك فينا بعده ولطف بنا

 

بقلم شيخن بباي عمار أستاذ بجامعة انواكشوط