بحضور رئيس الاتحاد الإفريقي ؛ كيغالي تستذكر تاريخ الإبادة الجماعية وتتطلع لمستقبل مشرق (صور)

 
 
ليس مجرد حادث مأساوى ذلك الذى أنهى مسيرة الرئيس الروندى الأسبق جافينال هباريمانا حينما كانت طائرته تحاول الهبوط فى مطار كيغالي يوم السادس من ابريل 1994 ، بل كانت الشرارة التي أنتظرها دعاة التوتير فى معسكر السلطة من قومية " الهوتو " من أجل ارتكاب أفظع إبادة عرقية بتاريخ إفريقيا المعاصر ضد إخوانهم من قومية "التوتسى"؛ فى مسار شكل نهاية لحلم النخبة المعتدلة فى الطرفين  بإمكانية قيام حوار يمتص آثار التهجير والقتل والنفي التى تعرض لها التوتسي ، ويحد من مخاطر التحرك العسكرى الذى ترعاه بعض دول الجوار  (أوغندا) ضد الحكم القائم  فى روندا ؛ ويرقى برواندا إلى مصاف الدول المستقرة؛ بعد سنوات من الصراع المحكوم بقواعد الاشتباك العسكرية مع الحركة الوطنية لتحرير روندا؛ بقيادة بول كاغامي ؛ بعدما تنازل عن منصبه السابق كرئيس للمخابرات العسكرية بأوغندا؛ إثر وفاة صديقه ورئيس الحركة روجيما فى المعارك التى دارت 1990 مع الحكومة المركزية ، وكانت فيها الغلبة للسلطة؛ بحكم الدعم الفرنسى والهولندي الكبير.
 
دماء غزيرة سالت فى تلك الحقبة ؛ أكثر من مليون قتيل خلال ثلاثة أشهر، فظاعات كانت كافية لحشد الدعم الإقليمى والدولى لصالح التوتسي، وهو ماسهل بسيطرة الحركة على العاصمة كيغالي يونيو 1994 ، لوضع حد لنظام الهوتو ؛ وتنصيب رئيس جديد للبلاد، هو الرئيس السابق باستير بيزيمنغو، الذى تم التخلص منه لاحقا من قبل زعيم الجبهة ؛ بدعوى خيانة الأمانة وإذكاء النزعة العرقية والفساد.
 
 
المقاتل السابق بول كاغامي الذي حارب فى أوغندا للإطاحة برئيسها الأسبق تيتو أوكيلو ، لصالح حليفه صاحب الشخصية الفذة "موسيفيني"، وحارب فى "روندا " بلده الأصلى لإنصاف قوميته بعد عقود من الاضطهاد والنفي والتمييز ؛ بات اليوم أحد أبرز رموز القارة السمراء، وحامل لواء وقف أعظم مجزرة فى التاريخ الإفريقي؛ ورجل روندا الذى خرج من منطق زعيم من زعماء الحرب الأهلية إلى قائد ينشد  العبور  ببلده الذى  مزقته الصراعات العرقية إلى وطن متصالح مع كافة مواطنيه؛ ينشد الرفاه الإقتصادى بشراكات اقتصادية ناجعة مع العديد من دول العالم؛ وخصوصا جمهورية الصين وتركيا وقطر.
 
ثلاثة عقود على المجزرة 
 
اليوم تعود روندا لتعيش الذكرى من جديد فى احتفالية يحضرها رئيس الإتحاد الافريقي ؛ رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى وعدد من زعماء القارة السمراء وبعض شركاء التنمية، بمناسبة مرور ثلاثة عقود على أسوء مذبحة فى تاريخ الإنسان الإفريقي المعاصر. أكاليل من الزهور على المقابر الجماعية، وتنكيس للأعلام، وأسبوع من الحداد، وحملة إعلامية يشارك فيها كل من الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة تحت شعار "لن تعود" ؛ أو هكذا أختار الأمين العام للأمم المتحدة أن يختم رسالته التى وجهها  للأفارقة بمناسبة الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية بروندا، مع التذكير بجذورها (الكراهية) ، بينما يحاول رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني من موقعه كرئيس للإتحاد الإفريقي إخماد توتر آخر يطل بنفسه فى المنطقة بين روندا والكونغو هذه المرة ؛ وتحضر فيه ملامح الماضى الكريه بركائزه الثلاثة (الصراع العرقي) ، و(التدخل الخارجي) ، و(حمل السلاح) لتحقيق الأهداف السياسية.
 
يواجه الرئيس محمد ولد الغزواني العديد من التحديات الداخلية والخارجية ؛ لكنه بالرغم من ملف الإستحقاق الإنتخابى الذى أطل برأسه، وملف المهاجرين الفارين من جحيم القتال فى مالى؛ والقلق المشروع من تداعيات القتال المستمر على الحدود الشرقية للبلاد؛ إلا أنه المسؤولية الأخلاقية تتطلب منه العمل من موقعه الجديد للملمة بعض الجروح النازفة فى القارة السمراء ، ومحاولة إقناع بعض نظرائه بمخاطر النزاعات المتفاقمة داخل الفضاء الإفريقي، والعمل من أجل مد الجسور بين مجتمعات المنطقة ، وتفادى الأسوء، مهما كانت طبيعة الخلاف والأطراف الدولية المنخرطة فيه.
 
ليست أزمة المتصاعدة حاليا بين الكونغو وروندا  هي الأزمة الوحيدة المطروحة أمام الإتحاد الإفريقي فى الوقت الراهن، وليست هي الأخطر ، بل إن مسار طائرة الرجل - وهي تعبر الحدود الشرقية للبلاد (موريتانيا) باتجاه كيغالي- يكشف حجم الآلام القائمة على طول الرحلة والملفات العديدة التي تنتظر الرجل فى مأموريته الحالية  ؛ مالي / النيجر/ أتشاد/ افريقيا الوسطي /  الكونغو الديمقراطية.
 
 
صحيح أنه أستطاع وهو قائد للجيوش تطوير المنظومة العسكرية المحلية لتكون القوات المسلحة جاهزة للإسهام فى حفظ والسلام فى جمهورية وسط افريقيا ؛ وقاد حراكا ناجحا بالكوديفوار، وفرض الحضور الموريتاني الطاغي فى مالي وفينا بيساو ؛ ونأي ببلده ونفسه عن الدخول فى مغامرات خاطئة (القتال تحت مظلة الفرنسيين فى مالي) ؛ وأخذ مواقف عقلانية من أزمات بعض دول المنطقة كالسينغال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وأتشاد، ونأي بنفسه عن سياسة المحاورة فى المغرب العربى وخارجه ، لكنه ينتظره الآن أكثر من المواقف الإيجابية ؛ إنها لحظة بؤس تغمر القارة السمراء ، ويجب التعامل معها بذكاء وحزم، وتنشيط الحراك الدائر لبلورة رؤي وتصورات قادرة على وقف الدماء النازفة فى كل الدول الإفريقية تقريبا.
 
سيد أحمد ولد باب / كيغالي (روندا) 
 
#زهرة _شنقيظ
#تابعونا