ولد منصور : دور المؤسسات السياسية كبير وحاسم في الحرب على الفساد (ندوة سياسية)

سبت, 10/18/2025 - 9:01م

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 

المؤسسات السياسية ودورها في محاربة الفساد 

 

تعاني النظرة إلى الفساد وتصور محاربته من نظرتين غالبا ما يتبنى إحداهما من يميلون لمن يحكم ويتبنى الأخرى من يسير في خط معارضته.

 

النظرة الأولى : تعتبر أن المبالغة طاغية في موضوع الفساد وأنه لابينة على كثير مما يقال في هذا الصدد، وأن معظم ما يلاحظ مجرد أخطاء لاتخلو منها دولة ولايستغرب وجودها في إدارة أومؤسسة.

 

وأما النظرة الثانية فتعمم التهمة بالفساد، وتنسب الإفساد لكل مسؤول عام، ولاتتثبت في مصدر ولاخبر، ويسهل توظيفها في صراعات اللوبيات وتصفية الحسابات.

 

وتجاوز هاتين النظرتين شرط في مقاربة موضوعية وجدية لمحاربة الفساد، بحيث يتحدد مفهومه ومعناه ونماذجه وشخوصه، فلايدخل فيه ما ليس منه فيقع التمييع وتصعب المحاربة، ولايخرج منه ماهو منه فيكون التضييع والتبرير وتفقد الحرب على الفساد صدقيتها وموضوعيتها.

 

دور المؤسسات السياسية كبير وحاسم وجوهري في الحرب على الفساد، وهي في هذا السياق : الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية 

 

فالحكومة هي الجهة السياسية التنفيذية، ودورها حاسم في الحرب على الفساد، وفضلا عن دورها في مواكبة وإسناد أجهزة محاربة الفساد المختلفة ثم مسؤوليتها في تنفيذ ماتقرره هذه الأجهزة، فإن للحكومة مسؤولية واسعة نجمل بعضها في العناوين التالية:

- جعل خطر الفساد ومحاربته هما حكوميا ملازما يتنافس في استحضاره الوزراء، ويظهر في خطواتهم أسبوعيا تشجيعا لمن يبدر منه ما يقتضيه ومعاقبة لمن يستحق بفعله ذلك.

- تشجيع المتميزين في كشف الفساد ومحاربته خصوصا في المراحل الأولى والمتوسطة للعمليات الاقتصادية والمالية والصفقات العمومية.

 

- العمل على إصلاح الإدارة العمومية بإحلال العناصر المصلحة أوالصالحة في المواقع الحساسة والتي من شأن فسادها فساد غيرها وبالتالي من شأن إصلاحها إصلاح غيرها.

- عدم التسامح مع ممارسات الفساد، على نحو يوصل الرسالة بقوة ويؤكد المنهج على نحو لاتردد فيه.

 

ويظهر لي أن الحكومة الحالية نجحت في خطوتين مهمتين في استراتيجية محاربة الفساد:

 

أما الأولى فهي استكمال الترسانة القانونية والمؤسسية لمحاربة الفساد وكان آخرها النصوص القانونية الثلاثة التي أجيزت في الدورة البرلمانية الماضية، وتعيين رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد، المنتظر اكتمال أجهزتها.

 

ولايفوتني تسجيل بطء في هذه الخطوات وأبطأ منها الخطوات المتعلقة بمعاقبة المفسدين واسترداد المنهوبات.

 

أما الثانية فهي توجيه ثروات معتبرة وإمكانيات كبيرة، كان يهدرها الفساد ألى برامج تنموية ضمت مكونات أولوية (التعليم والصحة والبنى التحتية والكهرباء والمياه والشباب والرياضة والبيئة) عصرنة انواكشوط وتنميتها نموذجا .

 

أما البرلمان وهو في حالتنا: الجمعية الوطنية، ودون شك يناط بها دور كبير في هذا الموضوع، ففضلا عن القوانين التي تسنها ، ثمة مسؤولية رقابية غاية في الأهمية، ويمكن ممارستها أثناء النقاش في مختلف المناسبات، أوعند مساءلة أعضاء الحكومة، أو بتشكيل لجان التحقيق الجزئية أوالكلية.

 

ومع أن الجمعية الوطنية قد تمكنت منذ حين من تشكيل لجنة تحقيق في بعض ملفات العشرية كما يسمونها، فإن أداءها الرقابي خصوصا في موضوعنا ليس بتلك الحيوية 

- فحضور محاربة الفساد في المناقشات العامة محدود، ومستوى الدقة فيما يثار في شأنها أثناءها حدت من قيمة هذا الحضور.

- وتميزت  بعض المساءلات بالأهمية في هذا السياق وإن نغص عليها مبالغة وتعميم عند النائب المسائل وتبرير وتعميم عند الوزير المجيب.

 

- أما لجان التحقيق - وهي من أهم أسلحة العمل البرلماني - فذهبت ضحية رفض تلقائي لأغلبية لاتفرق بين دعم الحكومة - وهو حقها - وممارسة الرقابة البرلمانية - وهي مسؤوليتها - وضحية ضعف احترافية لدى المعارضة فكأنها تسجل موقفا أكثر مما تريد لجنة تحقيق تتطلب مرونة ودبلوماسية وتوظيف المتاح.

 

من المهم أن يدرك البرلمانيون دورهم الحاسم والحساس في محاربة الفساد، وحين يدركون ذلك، سيفهم التنفيذيون وأعضاء الحكومة أن أمامهم جمعية وطنية وإن أيدتهم أغلبيتها سياسيا فإن لها دورا رقابيا خصوصا في مجال عده رئيس الجمهورية أولوية الأولويات عنده، وأنها ستمارس هذا الدور على نحو مسؤول وحقيقي في نفس الوقت.

 

أما الأحزاب فهي أهم الكيانات السياسية ويقتضي العرف الديمقراطي السليم أن تكون المؤسسات السياسية الأخرى منبثقة عنها فأهميتها بهذا المعنى مزدوجة.

 

- ولعل أول نقطة في هذا السياق هو مدى حضور محاربة الفسادة في رؤية وبرامج هذه الأحزاب، وهل استطاعت الأحزاب تقديم قوة اقتراحية واضحة وقابلة للتطبيق لمحاربة الفساد.

 

- ثم يأتي موقف الأحزاب من تزكية مفسدين أدينوا أوسددوا أومفسدين كثرت القرائن على فسادهم، وهذا من أصعب الأمور لحاجة الأحزاب للفاعلين والمؤثرين، والتزكية تكون بالتقديم والترشيح والتعيين.

 

- وسيكون مفيدا أن تجعل الأحزاب من محيطها الداخلي ونقاشاتها الداخلية وحلقاتها التكوينية والتأطيرية، بيئة طاردة للفساد والمفسدين، ممجدة للإصلاح والمصلحين.

 

خطر الفساد كبير، ولايخلو منه مجال فآثاره مدمرة للاقتصاد مهددة للاستقرار مضيعة للأخلاق، سبب كاف لانتشار المسلكيات الضارة بمختلف أنواعها.

 

محاربته استحقاق يتعين على الجميع الإسهام، لايستسلم للخوف من مواجهته، ولايستعجل في كل خطواته، فعلا يقتضي التدرج وهو أمر على أصحاب العواطف تفهمه ولكن التدرج غير الترك وهو أكثر غير الاستسلام، من المهم أن نكون واقعيين ولكنها واقعية واعية وفيها من الصرامة جوهرها.

 

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي كلمة لعلها لصاحب نهضة سنغافورة تقول إن تنظيف الدولة من الفساد مثل تنظيف الأدراج من الأوساخ يبدأ من الأعلى، ومن هنا تأتي توصيات ومخرجات تقرير محكمة الحسابات فمعاقبة رؤوس القطاعات ورؤوس المؤسسات ممن تثبت إدانته بداية مناسبة وخطوة واردة في مسار ينبغي أن يستمر دون تهاون ولاتهور ودون تمييع ولامبالغة.

 

محاربة الفساد استحقاق مؤكد، والعقلانية في ذلك لازمة ومتعينة 

 

صعوبة الحرب على الفساد قائمة، وإمكانية النجاح فيها واردة، ولايناسب ان تشوش الأولى على الثانية.

 

الفساد يستلزم وجود مفسدين، واستهداف جريمة دون أصحابها خطأ بالغ وخلل بين.

 

من أكثر ما يخدم تمييع الحرب على الفساد، تعميم الاتهام به على الجميع عاطفة أواستهدافا.

 

يصعب على السياسيين مناصبة المفسدين العداوة، وتؤدي المكاسب الانتخابية المرجوة إلى مهادنة أومصادقة المفسدين من قبل كثير من السياسيين.

 

هذه حقيقة مؤلمة، قليل من يستطيع تجاوزها والصبر على طريق لم يعد منها بد لمن يريد مستقبلا للوطن وللسياسة.

 

#زهرة_شنقيط 

#تابعونا