_________
يعد الحديث عن الأهمية الإستراتيجية لموقع البلد وعن ثروته الإقتصادية ومقدراته وموارده في عالم اليوم الذي تتشابك فيه المصالح وتتسابق فيه الدول إلى ابراز أهميتها ضرورة وليس خيارا
وحين يتحدث الرؤساء عن بلدانهم في القمم والتظاهرات الدولية فهم يفعلون ذلك وعيا بأهمية اللحظة وسعيا لاستغلالها بالطريقة الأمثل ليحققوا عدة نقاط من أهمها :
- الرفع من القيمة التفاوضية في ابرام الاتفاقيات
- حماية المصالح دون تهديد الشركاء
- انتزاع الإعتراف بأهمية البلد ومكانته
- تمهيد الطريق للتحالفات وابرام الشراكات الأكثر توازنا
هذا بالضبط مافعله الرئيس الموريتاني في حديثه أمام اترامب في القمة التي جمعته بالرؤساء الأفارقة الخمسة بالبيت الأبيض فقد كان تقديم الرئيس الموريتاني لموريتانيا ممتازا حيث ركز على بعد استراتيجي مهم جدا في تحريك العلاقات بين موريتانيا وأمريكا
فموريتانيا ليست فقط دولة إفريقية لديها مؤشرات نمو واعدة ، بل هي:
دولة على الضفة الشرقية للمحيط الأطلسي، تقابل مباشرة أميركا اللاتينية، وقريبة نسبيًا من السواحل الشرقية للولايات المتحدة عبر الأطلسي.
أهمية هذا الموقع الجغرافي في سياق العلاقة مع الولايات المتحدة يجعل موريتانيا على الضفة الأطلسية بوابة إفريقية مقابل القارة الأميركية،وتزيد أهمية موقعها أكثر بوصفها تطل على أحد أضيق الأجزاء في المحيط الأطلسي الممتد بين الأمريكتين وإفريقيا
هذا الموقع ايضا يضعها في موقع بحري استراتيجي يمكن أن يخدم الملاحة الدولية بين:
أمريكا الشمالية وأوروبا
أمريكا اللاتينية وإفريقيا الغربية
ويخدم ايضا خطوط التصدير للطاقة والمعادن من إفريقيا إلى الأمريكيتين
أما بالنسبة للأمن البحري المتعلق بالأطلسي الذي أصبح اليوم مجالًا للتنافس بين قوى عسكرية واقتصادية (الولايات المتحدة – روسيا – الصين – أوروبا).
فإن الساحل الأطلسي لإفريقيا (من المغرب حتى السنغال مرورا بموريتانيا التي تتوسطه ) يشكل بالنسبة لأمريكا وأوروبا الضفة المقابلة للأمن البحري الأطلسي.
فموريتانيا بموانئ نواذيبووانواكشوط ومياهها الإقليمية الواسعة تملك قدرة على احتضان:
مهام مراقبة بحرية مشتركة
برامج لمحاربة القرصنة، التهريب، والهجرة غير النظامية التي تهم أمن أمريكا أيضًا
وبالنسبة لفرص الطاقة والربط البحري
تعد مشاريع الغاز البحري في موريتانيا (خاصة مشروع "السلحفاة" المشترك مع السنغال) أقرب مشاريع الغاز الإفريقي والاحتياطيات العالمية الهامة من الغاز الأقرب للأسواق الأمريكية.
وقد يشهد المستقبل انتعاشا لتصدير الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة عبر الأطلسي.
وبالتالي فالرئيس أراد ان يوصل الرسالة التي ينبغي إيصالها للأمريكيين وهي :
من يرسّخ وجوده في نواكشوط اليوم، يملك قدمًا راسخة في الضفة الأخرى من الأطلسي غدًا.
الحديث في واشنطن عن "موريتانيا كضفة أطلسية مقابلة" وليس فقط كدولة إفريقية ساحلية.
الترويج لفكرة "شراكة أطلسية جديدة" تشمل إفريقيا الغربية.
دعوة الولايات المتحدة للمساهمة في تطوير الموانئ والبنية البحرية الموريتانية كشريك أطلسي.
أما الذين تحدثوا عن تصرف اترامب ومقاطعته لضيوفه فهذا أمر يخص اترامب واخلاقه وهي عادة فيه معروفة مارسها مع كل زعماء العالم وقد أظهر الرؤساء الأفارقة حسن أخلاقهم وحكمتهم والوعي بأهمية مصالح بلدانهم وعدم الرضوخ للاستفزاز وهذا من وجهة نظري دليل قوة وليس دليل ضعف
أما الذين تحدثوا عن مسألة التطبيع فعليهم أن يعرفوا أن لأمريكا الحق في أن تطرح على طاولة النقاش مايتوافق مع سياستها ومع ماترى أنه يشكل مصالح لها ولحلفائها خاصة انها البلد المضيف ولكن ايضا وفي المقابل للبلدان الافريقية الخمسة وقياداتها كامل الحق في رفض ما لا يتماشى مع توجهاتها وقناعاتها
وفيما يتعلق بموريتانيا بخصوص هذه النقطة أرى أنها لن تغير في نهجها فلو كان بامكان حليف أن يغير فيها لكان ذلك حدث في موجة مايسمى باتفاقات ابرهام قبل سنوات ولكن موقفها كان ثابتا اتجاه القضية الفلسطينية ولم يتمكن الحلفاء ولا الأصدقاء من التأثير عليه سابقا رغم محاولاتهم ورغم حجم علاقات موريتانيا معهم وأظنهم لن يؤثروا على هذا الموقف حاليا والدبلوماسية الموريتانية في عز مجدها وقوتها ومصالح الدول فيها أصبحت أكبر من مصالحها هي في تلك الدول .