الحملة الزراعية: الأبعاد والدلالات:

إن إشراف فخامة رئيس الجمهورية على إطلاق الحملة الزراعية هذه السنة، من منطقة لكراير من مقاطعة تامشكط بولاية الحوض الغربي خطوة أراد من خلالها توضيح رؤيته الإقتصادية لمتطلبات المرحلة الحالية التي يعاني فيها العالم من أزمة إقتصادية متداخلة الأبعاد
لقد أكد في خطابه على ضرورة العمل على تحقيق الإكتفاء الذاتي من خلال تطوير وسائل الإنتاج ودعم وتطوير المقدرات الزراعية والرعوية والسمكية،
إنه توجه يترجم إستيعاب الرجل للتحديات والمآزق التي تواجه إقتصاديات العالم بمافيها اقتصادنا الوطني، والتأكيد على أن لا مخرج من تلك المآزق إلا بالتوجه إلى دعم التنمية المحلية وتوطين الإستثمارات في كل شبر من وطننا العزيز.
لقد أثبتت التجارب التنموية ان إنتشار الفقر والجوع هو نتيجة تغافل الإستراتيجيات التنموية عن دور القطاع الزراعي في التنمية الشاملة، وفي بلادنا أهملت الدولة المركزية وسلطات التخطيط خلال الفترة 78/63 دور هذا القطاع ومكانته الإجتماعية، نفس الخلل ظل متواصلا لما دخلت الدولة في مرحلة الليبرالية المتوحشة 1984 (مرحلة برامج الإصلاح الإقتصادي كما يزعم مناصروا البنك وصندوق النقد الدوليين).
لم تفلح تلك السياسات رغم تعدد مسمياتها وثبات أهدافها (التصحيح الهيكلي، الدعم والدفع، الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفقر، برنامج النمو المتسارع والرفاه...) لم تفلح جميع تلك السياسات بأدواتها المختلفة في خلق تنمية ولا تحقيق رفاه.
الطامة الكبرى جائحة كورونا التي شلت العالم وفرضت مراجعات فكرية على الأطر الإقتصادية النظرية التي كانت تحكم النظام الإقتصادي العالمي، وأكدت الوقائع والتحديات ضرورة تدخل الدولة ودعمها للتنمية المحلية وفق رؤية تعطي الأولوية لتطوير وتنمية القدرات والموارد المحلية سبيلا لبناء إقتصادات منسجمة وغير مشوهة.
إن التوجه الذي أعلن عنه فخامة الريئس في خطابه أمام ساكنة الحوض الغربي/ منطقة الكراير / مقاطعة تامشكط توجه طالما انتظره الموريتانيون، التوجه الذي إذا حظي بالمتابعة سيكون لمقتضياته بالغ الأثر على مستوى معيشة العباد والبلاد ،وسيتم تصحيح الإختلالات والتشوهات الإقتصادية التي حصلت في إقتصاد البلد منذو أول خطة إقتصادية 1963 وحتى يومنا هذا، تشوهات تمثلت في إهمال شبه ممنهج للقطاع الزراعي والرعوي الذي يعيش فيه ما يقارب الثلثان من سكان البلد.
إن السعي لتحقيق الأمن الغذائي واجب وطني وليس خيارا إستيراتيجيا لكن، في تقديري الشخصي، السبيل الوحيد إلى تحقيقه هو الإشراف المباشر والإصرار على تنفيذ الحكومة لسياسات قطاعية في مجال (الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد..)، سياسات جدية تقوم أولا بأول على توفير الوسائل وفرض آلية للرقابة والمتابعة، آلية تمكن من إكتشاف أي تقصير أو خلل أو عدم تعاطي قد يخل بمسار الإنتاج أو كفاءة الوسائل.
في الأخير أقول إن بلادنا تتوفر على مستلزمات إنتاج كبيرة وبمجرد نبذ الكسل والإتكالية و متابعة الحكومة للسياسات القطاعية في مستوى من التشاور مع الفاعلين الإقتصاديين المحليين وطمأنة الكل بأن الدولة خادمة للجميع، بمجرد السير في هذا الركاب ستتحقق الأهداف ويتحقق الرفاه وينعم الجميع بعائد التنمية.
د.حمودي ولد عالي ولد الشيخ المهدي