ملحوظات / الشيخ محفوظ أبراهيم فال

 

انقطعت قليلا عن هذا الفضاء ثم وجدت الخلاف المحتدم حول تصريحات السيد النائب الخليل النحوي حول مختصر خليل وحرصت على الاستماع  إليها ولم يتوفر لي حتى الآن ولم أنتظر ذلك لأنما أكتبه أقرب إلى العموم  وأردت تسجيل الملحوظات التالية :

1-ليس الإسلام ولا تراثه في موقف دفاع دائما ولا موطن تهمة أبدا كلما اجتهد مجتهد فأخطأ أو أصاب أو تحامل متحامل فظلم وجار أعلنا النفير الشامل والهبة العامة دون أن نميز أعداءنا أصالة ورتبة، وأن نختار حربنا وأرض دفاعنا وهجومنا.

لا تقيموا معاركا في غير محلها ولا مع غير أهلها
وفروا الهَبًةَ لما هو أهم والاصطفاف لما هو أعظم والاستنفار لما هو أطم 

2-التراث الإسلامي وجهود علماء المسلمين وفقهائهم أفضل تراث أهل الأرض إطلاقا لما من الله به من حفظ الكتاب والسنة أولا ولما كان لهما من دور في إصلاح حملته ثانيا فليس حملته في موقف ضعف ولا هزيمة نفسية ولا خلقية تعزز فيهم سهولة الاستفزاز والانجرار ولن ينفعه الدفاع بالغلو فيه ومساواته مع أصله من كتاب ولا سنة.     
فمهما قلنا عن الفقه ورفعنا من شأنه كما رفعه الله فسيظل يمثل الكلأ والعشب الكثير أي الثمرة من النص التي يستخرجها المستثمر وهو الفقيه ((على لغة الإمام الغزالي في المستصفى)) وهذه الثمرة ستظل جهدا بشريا متأثرا بالسياق من فهم المجتهد وآلته وحاجته تقبل التطوير والتحوير والتبديل والتغيير وهي ميدان التجديد الموعود في كل مائة سنة ويضره التسويته بينه وبين أصله من كتاب وسنة، ودعوى أن كل مطالبة بالتجديد فيه تنتهي بالمطالبة بالحذف من آي القرآن وأحاديث السنة غلو فاحش وتنطع ضار ودفاع ضعيف وانهزام ظاهر.                          
3-على ضوء ذلك من العدل والإنصاف أن نفرق بين المطالبين بحذفه والتخلص منه كليا واعتباره جزء من التاريخ من دعاة التغريب والتحلل وبين من يقبلون أصله ويحترمونه في كلياته وينطلقون منه في أساسياته ويطالبون بترتيب أولوياته والتميبز بين عامه الذي يحتاج إليه العامة في عبادتهم ومعاملتهم وخاصه الذي يعنى به أهل التخصص في فصولهم ومحاضرهم فهؤلاء نخالفهم في الغلو ونتفق معهم في الأصل والمبدإ. نطالبهم بالبعد عن الهزيمة النفسية والانطلاق من واقع التهمة  كما تطالبهم باحترام قواعد العلم والتحرر من إكراهات الواقع السياسية والفكرية وأن يظل تجديد الفقه مسألة علمية محضة لا تخضع لهوى الحكام وليست عرضة لجرءة الجهال                      
والسلوك الموحد من الصنفين جهل بالفقه وظلم في الحكم، والموقف من كل حالة ينبغي أن يؤسس على سلوك المخالف المعروف من سيرته.

4-مما يخشى عليه أن يكون من الفجور في الخصومة أن نستغل أو يستغل بعضنا خلافاتنا الفكرية ((أصلية كانت أو فرعية)) فنتحامل ونبالغ في التعسف ونتكلف في الدفاع.
فمن العجيب أن بعض المتحاملين على الأستاذ الخليل النحوي في هذا يقولون مثله وأشد في مختصر خليل وأمثاله؛ ولا يعتبرون مختصر خليل مصدر علم ولا منبع هدى؛ فدعوكم من افتعال الحرب بين الخليلين.        

5-ظل كثيرون من أهل هذه البلاد وغيرهم يتركون من الفقه ما لا يتطلبه واقعهم البدوي وكانوا يتجاوزون من مختصر خليل أبوابا كثيرة كزكاة العين والحج والجهاد،وظل العلماء في كل عصر يختصرون الكتب العلمية ويزيدون فيها ويحذفون ولم يختلط يوما على الناس المختصر والأصل بل هنالك سلاسل علمية بدأت وانتهت بالاختصار، ولم يقتصروا على فعل ذلك مع كتبهم الخاصة كما فعل الشيخ محمد مولود في كتبه حين ترك ما رأى أن الحاجة تركته وعبر عن ذلك في مقدمة الكفاف بقوله:
لا ما استبد ببلاد نائيه **كالجمعات وشراء الأهويه
وآثر ما هو أنفع للناس وأكثر استجابة لحاجتهم.
وعبر عن ذلك في محارم اللسان بقوله:
وهو أوقع بذي البقاع **من الرهان وخروج الساعي
والخلاصة أن أسلوب اختصار الكتاب وأسلوب اختصار مضمونه في تراثنا الإسلامي أمران معلومان لا يكابر فيهما من يحترم نفسه.                         

6-لست في مقام التهمة في التقليل من شأن مختصر خليل فمنذ أن نشأت وأنا أدرسه وأُدَرٍسُه _بحمد الله تعالى _ وعرفت به أكثر من غيره وقد لا ينجي ذلك من المتحاملين الذين لا ترضيهم إلا موافقة أهوائهم الدائمة والسير الدؤوب في ركابهم.
وذلك ما لا أرتضيه لنفسي ولا أرتضيه لغيري.

7-أختلف مع السيد النائب الخليل النحوي في مسائل كثيرة ولكن لا أقبل ظلمه ولا ظلم غيره فالظلم ظلمات يوم القيامة.                                          

وأخيرا نحتاج كثيرا _خصوصا في هذا الفضاء الهائج المائج _ إلى الخصلتين اللتين مدح بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشج عبد القيس وأخبر عن حب الله لهما (( إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة )).
نحتاج إلى قدر كبير من الأناة في ما نكتب وننشر، وفيما نأتي وندع، وعدم قابلية الاستفزاز وإلى المناعة ضد الانجرار ، وقدر كبير كذلك من الحلم مع المخالف؛ عظم خلافنا معه أو صغر، فالمؤمن مصدر حلمه دينه وخلقه ولا يخرجه عنه سلوك مخالفه .

هدانا الله جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.