بعد صدمة الحكومة .. غزوانى يوجه بوصلة اختياره نحو الكبار

شكل اختيار أعضاء المكتب التنفيذى لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا رسالة بالغة الأهمية، عن عجم التحول فى تفكير الرجل الممسك بزمام الأمور فى البلد، رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى، وآليات تدبير السلطة وتسييرها، فى ظل واقع جد معقد.

 

الرجل الذى أصاب الجميع بالدهشة عشية تشكيل حكومته الأولى، بفعل اختياره أغلب أعضاء التولفة الوزارية من "التكنوقراط"، وبعض الشخصيات المجهولة لأغب النخب السياسية فى البلد، يبدوا أنه قرر العدول عن تهميش القادة الذين ساندوه فى الحملة الانتخابية، وكان لهم تأثير ملحوظ فى الحراك السياسى بموريتانيا خلال العشرية الأخيرة.

 

لقد كشفت التشكلة الحالية للمكتب السياسى، والتى تم طبخها فى أروقة القصر، عن مرحلة جديدة من تعامل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى مع معاونيه، ورغبة الرجل فى تحقيق التوازن واستعادة المبادرة، بدل الاستسلام لدعوات التجديد والمفاصلة مع رموز الأنظمة السابقة ، ووجهاء البلد وأبناء الحركات السياسية الفاعلة فيه. وهي دعوات كان أبرز رموزها من ضعاف الفاعلين فى الساحة السياسية، أو الذين عاشوه على هامش الحياة السياسية خلال العقود الخمس الأخيرة.

 

المكتب التنفيذى الذى أحيلت قيادته لأحد أبرز وزراء مرحلة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع ، وزير المياه والدبلوماسى السلطان ولد الطالب أعمر، ضم العديد من كبار الفاعلين فى السياسة، وصناع السياسات الاقتصادية بالبلد، كالوزير الأول السابق يحي ولد أحمد الوقف، ووزير الاقتصاد والمالية الأسبق سيد أحمد ولد الرايس، ووزير الاقتصاد والمالية السابق المختار أجاي، ووزير الطاقة محمد ولد عبد الفتاح.

 

وكان لأبناء التيارات السياسية المنادية بالديمقراطية والحكم الرشيد، حضور بارز فى التشكلة الجديدة، مع تنوع يعكس حجم الالتفاف الذى حظي به رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى خلال الانتخابات الأخيرة.

 

لقد ضم المكتب فى تشكلته الجديدة كلا من : الكورى ولد أحميتى، وأحمد سالم ولد فاضل، ومحمد محمود ولد أمات، والخليل ولد الطيب، وهو ما يعكس بجلاء الحضور القوى للأحزاب المدنية الديمقراطية المنادية بالتغيير منذ بداية المسلسل الديمقراطى، عبر دخول رئيس تكتل القوى الديمقراطية ومؤسسه محمد محمود ولد لمات فى الحزب الحاكم وتصدر القيادى السابق بالتحالف الشعبى التقدمى الخيل ولد الطيب مصاف الأغلبية،ودخول أحد رموز التيار الناصرى والقادة التاريخيين للحركة الكورى ولد أحميتى فى الحزب ضمن مصاف القادة الكبار، وتمكن مستشار الرئيس والقيادى السابق بالتيار الإسلامي أحمد سالم ولد فاضل من مقعد متقدم ضمن التشكلة الجديدة، بعدما تمكن من إقناع الرئيس بأهليته للقيادة، وفك الارتباط مع رفاقه فى لحظة تقدير اختلطت فيها السياسية بالمصالح، وتشابكت فيها خيوط التحليل، وتباعدت الرؤى بين أبناء التيار الواحد، بين مستمسك بحبل المعارضة، ورافض السير خلف سراب تغيير أثبتت الأيام صعوبة حصوله دون تحالف مع الجيش أو دعم منه.

 

وأعطى رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى رسالة سياسية أخرى تتسم مع ماتعهد به خلال الحملة الإنتخابية، وهي التعامل مع أخل الخبرة دون ردات فعل مفسدة، حيث سلم القيادى بالحزب "أفال أنقيسالى" مقاليد الأمانة العامة، ممثلا لقوميته، وحافظا له دوره فى الانتخابات الرئاسية، رغم الارتباك الذى طبع مسيرة الرجل خلال الشهر الأخير، وظهوره إلى جانب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وصحبه فى صراع المرجعية الأخير،وهو موقف كان الكل يتوقع أن يعصف بالرجل، وأن يكون بوابته التى يعبر منها إلى السجن، لا القيادة، بيد أن الرئيس أختار أن يتعامل مع ملفه بعقلانية كبيرة، وأن يحفظ له مكانته بين أبناء قوميته، رغم مواقفه التى أغضبت محيط الرئيس وبعض داعميه.

 

ورغم غياب رئيس الحزب الحاكم السابق سيدى محمد ولد محم عن تشكلة المكتب، فقد كان الحلف الذى ينتمى إليها، ممثلا وحاضرا بأبرز رموزه، رجل الأعمال البارز محمد ولد أشريف ولد عبد الله، وهو حضور يعكس حجم العلاقة بين المجموعة القبلية للرجل والرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى.

 

كما كان حضور الكورى ولد أحميتي تعزيزا لذلك التوجه، مع تصعيد سيدى محمد ولد عابدين إلى المكتب ، وهو الرجل الذى عاش فى دهاليز المعارضة، مقاطعا للحكم، ومحاورا له، قبل أن يقرر مع رفاقه من حزب الوئام الاندماج فى الحزب الحاكم فى آخر فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

 

وكانت تشكلة المكتب التنفيذى فرصة لجبر خاطر أحد أبرز رجال الأعمال فى الحوض الشرقى، محمد الغيث ولد الشيخ الحضرامى، الذى أستثمر فى السياسة الكثير من الجهد والمال، ولم يظفر منها بحضور يوازى ما أنفق، أو مكانة كان أنصاره يعتقدون أنه سيحصدها فى أي انتخاب يشارك فيه، بيد أن رياح السياسة والتوازنات القبلية حرمته 2018 من مقعد كان من أثر المقتنعين بأنه سيحصده، لو سمح له بالترشح من خارج الحزب، أو أزيحت عنه عوائق الثنائية القاتلة بالنعمة لأحلام الكثير من رجال السياسة والمال.

 

صحيح أن البعض أزعجه ضعف التوازن الجهوى المعمول به، بحكم اختيار ثمانية أعضاء من ولاية واحدة، وصحيح أن قوى سياسية فاعلة وقوى مالية مؤثرة، دعمت الرئيس وغابت عن الحكومة والحزب والرئاسة والوزارة الأولى، بيد أن التشكلة الحالية تعتبر فى نظر الرئيس ومعاونيه أفضل الممكن فى ظل الواقع القائم حاليا، وتظل آليات التصحيح مطروحة فى أول مؤتمر طارئ، أو تعديل وزارى متوقع، أو فرص أخرى يمنحها التدافع القائم بين رموز السلطة، والنتائج المرتبة على أي تقويم سليم لعمل الحكومة أو الحزب خلال الفترة المقبلة.

 

سيد أحمد ولد باب/ مدير موقع زهرة شنقيط