هل قررت الحكومة تقويض مؤسسة المعارضة الدستورية بموريتانيا؟

شكل تأسيس مؤسسة للمعارضة الديمقراطية بموريتانيا ودسرتها نقلة نوعية فى العالم العربى، وميزة كانت من أفضل ما أنتجته عقلية الضباط الذين حكموا البلاد منذ الإطاحة بالرئيس العقيد معاوية ولد الطايع 2005 بعد عقدين من محاربة المعارضة وتقويض مشاريعها السياسية.

 

وحافظ  الرئيس محمد ولد عبد العزيز على مكانة المؤسسة والعلاقة بزعيمها – بحكم المشاركة فى وضع التصور وإنضاج العملية الانتقالية 2005-2007-  وحاول تكريس مركزيتها فى المنظومة السياسية رغم الظروف الصعبة التى عاشتها المنظومة الديمقراطية بشكل كامل سنة 2009 حينما أفضى الصراع بين الرئيس والجيش إلى الإطاحة بالأول فى انقلاب عسكرى مكتمل الأركان.

 

وظلت الأغلبية الداعمة للرئيس ترفع المؤسسة كدليل على حجم الوعي السائد فى البلاد والشراكة مع الطيف المعارض، رغم انخراطه فى حراك ميدانى هادف إلى عزل الرئيس أو إجباره على الاستقالة إبان الربيع العربى، وحاول رئيس الحكومة ساعتها الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف الإبقاء على شعرة معاوية مع المؤسسة الديمقراطية وزعيمها، رغم عمق الخلاف بينهما، قبل أن تنجرف الحكومة إلى مواجهة مفتوحة مع الإسلاميين فى عهد الوزير الأول يحي ولد حدمين بعد خسارته المرة للانتخابات البلدية فى مسقط رأسه (جكنى) وعجزه مع آخرين عن إنقاذ الحزب الحاكم فى مقاطعة الطينطان، رغم استخدام أسلحة المال والقبيلة والدولة.

 

ولم تعلن الحكومة حل مؤسسة المعارضة أو إلغائها، لكنها عملت إلى تجفيف منابعها وقتلها بشكل يشبه النهج الممارس ضد شركة قيد التصفية أو سفارة مرشحة للإغلاق أو سجين يراد لها الانتحار.

 

لقد أنتقلت ميزانية المؤسسة من 181 مليون إلى 81 مليون أوقية فى الفترة الأخيرة، وهو مايكفى فقط لدفع رواتب موظفى المؤسسة ودفع الإيجار ، وهي العناصر التى تتولى وزارة المالية القيام بها عبر محاسب تم تعيينه من طرف الحكومة ويسير الملف بشكل مباشر  مع جهة الاختصاص.

 

كما أن زعيم المعارضة هو الشخص الوحيد داخل البلد برتبة وزير ( وفق أحكام القانون) الممنوع من سيارة رسمية أو سائق أو حرسى أو عامل بشركة تأمين خاصة، كما أنه هو الشخص الوحيد الذى ترك رقمه الخاص ضمن الشبكة المغلقة سابقا للحكومة بشركة "موريتل" المغربية، بعد أن تقرر تحويل الأرقام المهمة منها لدواعى الأمن، ناهيك عن تعطيل مجمل اللقاءات القانونية المنصوص عليها مع الحكومة والرئيس.

 

وقد أستعرض زعيم المعارضة 28 نوفمبر 2016 واقع المؤسسة مع الوزير الأول يحي ولد حدمين فى ولاية آدرار خلال مشاركتهما فى الاحتفال بعيد الاستقلال، ووعد الأخير بتسوية كل الأمور العالقة من أجل شراكة وفق القواعد القانونية الناظمة لسير المؤسسة ، لكن وعد الوزير الأول لم يتجاوز منزل رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم الذى كان بمثابة الوسيط غير المعلن بين الرجلين.

 

وتعتقد دوائر فى السلطة وأخرى فى المعارضة أن الحكومة وترت العلاقة مع المؤسسة الدستورية لأسباب شخصية محضة، كما تعاملت باستخفاف مع رئيسها السابق أحمد ولد داداه بعد أن حرمته من جواز سفر دبلوماسى رغم مكانته السياسية والتاريخية ونضاله من أجل ترسيخ الديمقراطية بموريتانيا.

 

كما أنها حرمت الرئيس وأركان حكمه من ورقة سياسية بالغة الأهمية، ورسالة لكل المهتمين بالعمل الديمقراطى فى العالم العربى تعكس حجم التحول الذى أحدثته تجربة 2007 ، قبل أن تجهز عليه تداعيات الشوط الثانى فى "جكنى" وثقافة الانتقام التى باتت ثقافة سياسة راسخة بامتياز.