خمس ساعات في ساحة الاغتصاب (خاص)

تسرد آمنة بنت ابراهيم بحسرة كيف ضاع مستقبل عدد من بنات الحي في ساحة الاغتصاب الشهيرة بملعب ملح المتهالك بفعل الإهمال والعزلة المفروضة عليه، وغياب أي حارس وانعدام رجال الأمن في الحي الأكثر تعرضا لفتك اللصوص بالعاصمة نواكشوط خلال السنوات الخمس الأخيرة.

تقول آمنة وهي أم لثلاثة أطفال، وتسكن غرب الملعب المتهالك بحي السعادة (ملح سكتير 2) إن السكان الذين عايشوا تطور الحي منذ تأسيسه سنة 1991 يدركون أكثر من غيرهم مرارة غياب الدولة، وإن الألم يعتصر قلوبهم حينما يستمعون إلي فرض الأمن علي الحدود، وهم عاجزون عن شراء بطاقة تزوير بالرصيد أو كوب مياه ليلا من المتاجر القريبة بفعل الخوف من اللصوص، والعصابات التي اتخذت من الحي مرتعا لها، ومن ساحات الملعب المهجور وكرا لتنفيذ كافة أشكال العنف الموجه ضد الرجال والنساء.

 

تقول آمنة - وهي تنظر إلي جرافات المجموعة الحضرية تحاول جرف أطنان القمامة- إن الشقي هو من تحمله رجلاه ليلا قرب الملعب البلدي، أو أحد الأزقة المظلمة القريبة منهن.

 

إنها تتذكر بمرارة بالغة كيف كانت وشقيقتها ذات يوم عرضة لمحاولة إجرامية من قبل بعض الشبان المنحرفين في الملعب المذكور في حدود الساعة السادسة والنصف مساء.

 

قرب الملعب تبدو الحركة رتيبة، فأغلب الجيران لما يصدق بعد أن الحركة دبت فيه قبل مهرجان الرئيس، والناس تنظر بقلق لأي حراك داخل الملعب أو خارجه رغم توفر الأمن بعد أن قررت قوات الدرك توجيه بوصلة جنودها نحوه يوم الأحد الماضي ضمن خطة أمنية جديدة!.

 

يتكون الملعب من منصة متهالكة وقربها ثلاث بيوت صغيرة، وساحة واسعة معدة في الأصل كملعب لكرة القدم، لكن عصابات الجريمة حولتها إلي ساحة لاغتصاب القاصرات من أبناء الحي الفقير، وممارسة مختلف أنواع الجريمة ليلا وفي النهار بعض الأحيان!.

 

قبل أيام قليلة يقول عثمان – وهو صاحب عربة مجرورة علي الحمير- سقط إمام الحي صريعا بعد أن حملته أقداره إلي الشارع الواقع شمال الملعب في حدود التاسعة ليلا، لقد سلب ثيابه وهاتفه وخمسة آلاف أوقية كانت في جيبه، غير أن الأدهي والأمر هو أن اللصوص حولوا جسده الضعيف إلي مكان لاختبار قدرتهم علي الإيذاء والقتل..

 

وقع الإمام في حفرة صغيرة شمال الملعب مدرجا بدمائه، واليوم تحاول جرافات المجموعة الحضرية طمر تلك الحفر قبل ساعات من زيارة الرئيس إليها.

 

تنعدم الكهرباء بالملعب انعدام الماء في الحي،غير أن طواقم الشركة الوطنية المكلف بالكهرباء استطاعت بعد استنفار دام عدة أيام أن تعيد توجيه بوصلة الفرق التابعة إليها لملعب بات اليوم يسمي ملعب الترحيل بحكم أنه الأقرب جغرافيا إليه من مجمل ملاعب العاصمة نواكشوط.

 

30 عمود إنارة داخل ساحة الملعب المهجور قبل أيام، وإنارة الشوارع التي تحيط بها ضمن عملية خداع محكمة للرئيس المرشح بعد أن تصور أن كافة مشاكل الترحيل قد تم حلها منذ شهور.

 

ستتصاعد الأضواء الكاشفة دون شك، لكن فاعليتها ستتوقف دون شك كذلك عندما تحاول كشف مشاكل الترحيل بحكم العلاقة الوطيدة مع مستخدميها من سدنة الأنظمة وحماة دول الجور.

 

سيتمايل بعض شبان تفرغ زينه المترفين علي أنغام الموسيقي الصاخبة ليلا بأحد أفقر أحياء العاصمة نواكشوط، ولفتيات الحي نصيب من الرقص المجاني وانهيار الأخلاق بآخر مهرجانات الرئيس، لتحقيق أحلام شكلية راودت العشرات منهن في أكواخ القصدير المتهالكة بأطراف العاصمة المنكوبة.

 

 وسيرفع شيوخ الأحياء الباحثين عن تعويض شعارات الرئيس وصوره المكبرة، وبعض الشعارات التي تم جلبها وتوزيعها من قبل بعض الأحزاب لتنويع المشهد وخداع الرئيس.

 

سيزاحم الأئمة – وهم كثر- باعة الكسكس من أجل رؤية الرئيس والسلام علي الوفود القادمة من الأحياء المخملية بنواكشوط،وسيحتكر رجال الأعمال وقادة الأحزاب الداعمة للرئيس مقاعد الصف الأول في "مهرجان الترحيل" حجب الوجوه البائسة عن الرئيس وكبار معاونيه مهنة يتقنها أعوان الرئيس!.

 

سيكتفي مصورو القنوات التلفزيونية الداعمة للرئيس والمحسوبة علي القبيلة رصد انطباعات مفتعلة لفقراء الحي الذين جلبوا إلي الساحة قصرا تحت ضغط الوجهاء وتجار الجموع الفاقدة للضمير.

 

لكن حقيقة واحدة ستظل مهما حاول هؤلاء ..

 

الملعب سيظل متهالكا مهما نال من الشهرة.

 

سيظل من دون حارس رغم وفرة شركات الأمن والعاطلين عن العمل.

 

ستظل سوحه مظلمة مهما رفع من أعمدة قبل زيارة الرئيس وصحبه.

 

ستظل ساحته وكرا للمجرمين ومحطة لانتهاك شرف الغافلات أو البغايا .. تعدد الأشكال والفعل واحد.. والأخلاق والضمير أبرز ما يحتاج إليه قاطنوا تلك الساحة أو زائروها في الظلام..

 

سيعود السكان إلي أحيائهم المظلمة.. وأكواخهم المتواضعة.. وواقعهم البائس.. وسيكتشفون في النهار أن الأضواء الخافتة ليلة الجمعة والألعاب النارية مجرد أحلام عانس أو خيال نائم أو لحظة استرخاء مريض.

خاص - زهرة شنقيط