ولد الغزوانى .. صديق الرئيس وخليفته المحتمل (صور)

كان هادئا طيلة الحفل، ظلا للرئيس دون تكلف، قريبا منه دون مزاحمة، ممسكا بخيوط اللعبة دون استعراض فج،محكما قبضته على أكثر من 19 وحدة عسكرية شاركت فى الحفل دون أن يتباهى بذلك، حاضرا دون أن يتكلم داخل الحفل الضخم الذى أقيم بالعاصمة الاقتصادية نواذيبو أو يدلى بتصريح لوسائل الإعلام العمومية أو يتصدر مشهد المرحبين بالرئيس أو المستعرضين لوحدات الجيش أو المنتشين بانجاز وهمى داخل احدى زوايا المشهد المختلط.

 

لم ينل الثناء من الرئيس علنا مثل باقى "رفاقه" من جنرالات 2008، ولم يوشحه أمام الجمهور كبقية أعوان السلطة الباحثين عن مجد يقنع الأهل والأصدقاء بمكانة صنعتها أحاديث الشاي والرغبة فى صناعة منجز. لقد بدت المساحة بين الرجلين أقرب من تحالف أصدقاء، وأوثق من علاقة رئيس ومرؤوس، يبادله النكات طيلة الحفل دون غيره، ويشركه فى جديد الأخبار الواردة إليه أولا بأول دون تعقيد أو تركيز يعكس الفارق بين الرجلين، ضمن مشهد يعكس مستوى انسياب المعلومات بين القائد الأعلى للقوات المسلحة والقائد الفعلى للجيوش على الأرض.

 

طيلة الساعات الأولى لفجر الاستقلال كان ولد الغزوانى يتحرك فى سيارة صغيرة، مع حراسة محدودة داخل شوارع العاصمة الاقتصادية نواذيبو، متخليا عن الزى العسكرى لداوعى أمنية محضة. تفقد منصة العرض قبل العرض، وسلك الطريق المعد للاستعراض قبل الاستعراض، ومر قبالة المنصة قبل رفع العلم بالمنصة، وفى منطقة وعرة من نواذيبو أخذ قسطا من الراحة قبل يوم الاستعراض العسكرى الأضخم بتاريخ البلد.

 

مع الساعات الأولى لفجر السبت 28 نوفمبر 2015 كانت قوات الحرس الرئاسى قد احكمت قبضتها على محيط المنصة بشكل كامل، بينما تمركزت وحدات من الدرك وأمن الطرق والشرطة فى مناطق أخرى، توافد الوزراء والسفراء والضباط الكبار والصغار إلى المنطقة وهم محشورون فى باصات تابعة للأركان العامة للجيوش، أو سيارات الوزراء المسموح لها بالتنقل المحدود مع ضغط أمنى شديد فى محيط المنطقة المعدة للاستعراض، يجعل من مجرد الوصول للمقعد مكسبا يجب المحافظة عليه، مع استثناء يفرضه عشق البعض للتدخين أو رغبته فى التقاط الصور مع رفاقه القادمين من الوحدات العسكرية الأخرى أو الظهور فى كاميرات المصورين وهو يتحرك "شبه طليق" قرب منصة العرض العسكرى، وقبل زيارة الرئيس.

 

يتحرك الجمهور خلف الخطوط وهو يهتف للرئيس الذى قرر زيارة الجمهور قبل الرسميين بشكل مفاجئ، وإلى جنبه يظهر قائد الأركان اللواء الركن محمد ولد الغزوانى وهو محاط بحراس الرئيس وبعض المصورين التابعين للأركان العامة للجيوش.

 

كيف التقيا دون غيرهم من الضباط والنافذين فى هرم السلطة؟ ومتى قررا زيارة الجمهور قبل المنصة؟ وكيف خططا للمشهد وآلية الظهور؟ معلومات يلفها الكثير من الغموض بفعل انعدام المسافة الفاصلة بين الرجلين...

 

يدلفان داخل خيمة العرض جنبا لجنب، ويستقبلان التحية من الضباط بشكل مشترك، ويسلمان على الوفود بشكل متزامن، ويجلسان على مقاعد متجاورة، ويبدآن العرض بمطالعة تقرير سرى وصل للتو من أحد الأجهزة الأمنية، لقد بدت النظرة إلي الورقة فى نفس الوقت عاكسة لدقة المشهد المرسوم، حتى الصغيرة "النجاح" دفعت ثمن تطاولها والزج بنفسها فى الملف، حينما نظرت للكراس الموجود بين يدي الرئيس وصديقه، لقد تم إقصائها بسرعة من المشهد، وزحزحت مع مقعدها للخلف.. مشهد يذكرنا بإقصاء آخرين حاولوا تقمص نفس الدور قبل فترة.

 

يقفان جنبا إلى جنب كلما مرت وحدة عسكرية، ويؤديان التحية العسكرية بشكل متزامن، ويلتقطان الصور مع الجنود بشكل مشترك، وخلفهما يتطاول وزير الدفاع للظهور فى مشهد أكثر تعقيدا مما كان يتصوره قبل التعيين. حتى "مجنونة عزيز" كانت نظرتهما إليها واحدة، تحية من بعيد وابتسامة تعكس مستوى الإعجاب بالتضحية والتقدير للدور الذى تقوم به دعما للرئيس منذ انقلابه الشهير أغشت 2008، لكن حينما يتعلق الأمر بالحديث والإعلام، يتكلم الرئيس ويصمت القائد، مكتفيا بالوقوف إلى جنب صديقه، تاركا للآخر فرصة التعبير عن موقف صنعاه معا، وخاصما من أجله معا، واتهما فيه بكثير من التهم معا، وكادت سفن الحكم المضطربة تعصف بهما معا، حينما فكر الرئيس المعزول سيدى ولد الشيخ عبد الله فى مممارسة مهامه كرئيس دولة منتخب، واصدر قراره الشهير بعزل الضباط الأربعة!.

 

لم يصرح ولد الغزوانى منذ ظهور فى المشهد 2005 برغبته فى الحكم، لكنه يمارس بعضه دون شك، ولم يعلن الرئيس ولد عبد العزيز استعداده للتنحى وافساح المجال لزميله، لكن مستوى الثقة بين الرجلين يوحى بذلك، مارس اللواء الركن محمد ولد الغزوانى السلطة كاملة طيلة شهرين، أدار البلد فى أصعب لحظات مرت بحاكمه المغرور بقوته، بعد أن حيدته رصاصات "جندى تائه" فى صحراء "اينشيرى"، لكن ظله فى الجيش أدار العملية وملأ الفراغ..

 

فهل يعيدها ثانية بعد أن بات الحيز المسموح به للرئيس من أجل البقاء فى السلطة محدودا بفعل مواد الدستور الجامدة؟ أم أن زهد الجنرال فى الحكم مستمر..؟؟

 

سيد أحمد ولد باب

ouldbaba2016@gmail.com