تفاصيل مثيرة من داخل المعهد التربوي بموريتانيا .. خاص

قالت مصادر بالمعهد التربوي بموريتانيا إن كل كتب التعليم الأساسي والإعدادي التي أنتجت على مستوى المعهد التربوي الوطني في ظل تطبيق إصلاح سنة 1999، أعدت من قبل لجان متنوعة تتألف كل واحدة منها من مدرس (أستاذ، معلم، مدير مدرسة أساسية) ومستشار تربوي ومفتش (تعليم أساسي أو ثانوي). ويعني ذلك أن مستوى جودة الكتاب مسؤولية جهات مختلفة لا يمثل المعهد التربوي الوطني إلا جهة واحدة منها.

 

وأضاف المصدر بأن صفة المنهاج أو المناهج أو المقررات الدراسية في مصطلح المختصين التربويين على مكونتين منفصلتين، إحداهما هي البرنامج الدراسي وهو عبارة عن قائمة من عناوين الدروس التي يفترض أن يمكن تدريسها المتعلم من الحصول على معارف واكتساب مهارات ومواقف خلال مستوى دراسي ما. أما الثانية فهي الكتاب المدرسي، الذي يفترض أن يكون تجسيدا للبرنامج الدراسي من خلال ما يقدمه من معلومات وما يقترحه من أنشطة متنوعة.

 

واعتبر المصدر أن المعهد التربوي الوطني جهة مسؤولة عن المكونة الأخيرة من المنهاج، بينما المفتشية العامة للتعليم (ثانويا كان أم أساسيا) مسؤولة عن تحديد مفردات البرنامج الدراسي. وهنا يصبح الكتاب المدرسي بطبيعته مرتبطا بما يسطر من برامج دراسية على مستوى المفتشيات، أما هو فنوع من هندسة البرامج لتصبح معينا تربويا في يد التلميذ والمدرس. وبطبيعة الحال، لا يمكنني أن أعفي بعضا ممن كانوا مستشارين تربويين عاملين في المعهد من مسؤولية التقصير وعدم التركيز على الجودة المطلوبة، لكن لا يمكنني كذلك تبرئة الساهرين على البرامج الدراسية من التقصير عينه، فالبرامج الموريتانية تحتاج إلى مسحة تجديد ودفعة تطوير بدونهما سيظل الكتاب والمدرس والتلميذ بل التعليم برمته في تيه ما بعده تيه.

 

أي دور للمعهد التربوي؟

 

وتقول مصادر زهرة شنقيط  إن الجهات القائمة على المعهد التربوي في الماضي على اختيار مستشارين تربويين متميزين من فئة الأساتذة أو مفتشي التعليم الأساسي. وكان العرف السائد حتى نهاية تسعينات القرن الماضي، هو أن عدد هؤلاء ينبغي أن يظل محدودا (في العادة مستشاران تربويان بالنسبة لكل تخصص في التعليم الثانوي، أو 3 مفتشين للتعليم الأساسي لكل قسم).

لكن الامتيازات المادية ،والرغبة في الابتعاد عن المدارس والتدريس في الفصول، جعلت الاهتمام يتزايد بفئة المستشارين حيث رضخ مديرون متعاقبون على المعهد التربوي  للضغوط واكتتبوا المزيد من المستشارين لمجرد القرابة أو الانتماء السياسي أو غيرها، ولم يأت ذكر أو اهتمام بمعيار الكفاءة إلا في حالات الاستثناء النادرة.

حيث وفد على المعهد التربوي الوطني أكثر من 20 مستشارا تربويا سنة  2009 وتم ترسيمهم سنة 2010 في وقت انتفت الحاجة إلى المزيد من المستشارين على اعتبار أن معظم الكتب المدرسية تم تأليفها من قبل وأن المرحلة المقبلة هي مرحلة مراجعة وتحسين جودة لا تتطلب التركيز على الكم ، إنما على النوع. ولقد كان التفسير الوحيد المتاح هو أن طرفا سياسيا فاعلا أراد الحصول على حصة من التعيينات والتحويلات الإدارية فوقع تركيزه على المعهد لأسباب لا يتسع المقام هنا لتفصيلها.

 

ويري المصدر أن عدد المستشارين التربويين لم يزد في يوم من الأيام على 80 مستشارا، وأن ترتيبات إدارية اقتضت منذ أكتوبر 2013 ترسيم أغلب المستشارين ضمن سلك مفتشي التعليم الثانوي وتم تحويلهم إلى المفتشية (70 مستشارا تربويا) ولم يتم استثناء أكتر من بضعة أفراد يتقلدون مناصب إدارية في المعهد. ويمكن الجزم حاليا بأن من يحملون صفة مستشار تربوي داخل المعهد لا يصل عددهم إلى 10 أفراد.

 

نحو إستراتيجية جديدة

 

وتقول مصادر زهرة شنقيط إن المعهد التربوي يسعى المعهد حاليا إلى تبني إستراتيجية جديدة تنطلق من مبدأ استدراج مناقصات لتأليف الكتب المدرسية بدل تعيين موظفين للقيام بهذه المهمة. وقد نظم ملتقى لهذا الغرض في شهر مارس من سنة 2014، حدد ملامح هذه الإستراتيجية وجعل دور المؤسسة قاصرا على اختيار أفضل العروض، وتزكية الكتب المختارة بعد تجريبها ثم اتخاذ الإجراءات الضرورية لطباعتها وفق المواصفات الدولية المتعارف عليها. ومن الجدير ذكره أن وثائق الملتقى وملامح الإستراتيجية الجديدة باتت في أيدي أصحاب القرار (الوزير الوصي على قطاع التهذيب) وهو وحده المخول سلطة اعتمادها أو اقتراح بدائل عنها.

 

واقع المطبعة المملوكة للمعهد؟

 

وأكد المصدر لزهرة شنقيط أن المعهد التربوي الوطني يمتلك بالفعل مطبعة مدرسية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي. وقد مُول مشروعها من جهات مختلفة، ففي مرحلة أولى تكفلت جهات كبرنامج المنظمات الخليجية للتنمية والصندوق السعودي للتنمية ووكالات غربية متعددة بإنشاء وحدة متواضعة لطباعة كم محدود من الكتب المدرسية، وفي مرحلة لاحقة قدم صندوق الأوبك للتنمية قرضا يربو على 2.5 مليون دولار لتطوير المطبعة، وتكفلت منظمة اليونسكو بشراء التجهيزات وتكوين الفنيين وبناء الورشات، وهو ما أنجز تقريبا منذ 2007. لكن القدرة الإنتاجية للمطبعة تبقى محدودة (300000 كتاب في السنة) كما أن المستوى الفني للعمال يظل دون المطلوب. ومن المفيد التنبيه إلى أن وضعية المطبعة كقطاع إداري ضمن قطاعات المعهد الأخرى لا تتيح لها التمتع بميزات المؤسسة الصناعية الناجحة، سواء تعلق الأمر بنمط التسيير أو اتصل بالقدرة التنافسية مع المطابع الأخرى.

 

ويقول المصدر اعتبر  أن عجلة إنتاج المطبعة تدور بشكل أو بآخر، فمنذ 2008 أنتجت كل كتب مرحلة التعليم الثانوي، بل أعادت طبع بعضها من جديد، كما أنتجت وتنتج أوراق الامتحانات الوطنية وبعض الأدوات التربوية وبعض كتب محو الأمية ومنشورات اليونسيف وغيرها.

غير أن عقبات كثيرة تعترض سبيل تطوير المطبعة. ولعل من أبرزها أن البنك الدولي، وهو جهة مانحة للقروض التي على أساسها تمول طباعة الكتب، يمنعها وفق نصوصه من المشاركة في مناقصات متعلقة بطباعة الكتب الممولة من طرفه، آخذا عليها وضعيتها كجهة تحظى بالدعم الحكومي وبالتالي لا تخضع لقواعد المنافسة الحرة التي يحرص البنك على تشجيعها. وعلى هذا الأساس، فلا حظ للمطبعة في اقتناص صفقات الطباعة، إلا عندما يتعلق الأمر بطباعة كتب ممولة من طرف الدولة الموريتانية. ويتعلق الأمر تحديدا بكتب المرحلة الثانية من التعليم الثانوي التي لا تغطيها القروض الممنوحة من قبل البنك الدولي والوكالة الدولية للتنمية.

وقالت مصادر زهرة شنقيط إن المعهد منذ ظهور مشاريع التهذيب وبعد الشروع في تطبيق الخطة العشرية لقطاع التهذيب سنة 2001، لم يعد معنيا من قريب أو بعيد بصفقات طباعة الكتب أو حتى توزيعها على المستوى الوطني. فالتمويل كما أسلفنا يأتي من جهات مانحة ويعبر قناة هي في الوقت الحالي: إدارة مشاريع التهذيب والتكوين ( تتبع لوصاية وزارة التهذيب أحيانا ووزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية أحيانا أخرى). وتبقى هذه الإدارة الجهة الوحيدة المسؤولة عن كل ما يتعلق بصفقات طباعة الكتب في الخارج، فسواء طبعتها في لبنان، مصر، تونس، الهند، الصين أو غيرها فهي وحدها من يملك القول الفصل في تبرير ذلك وليس المعهد.

 

وفي السياق نفسه، تقدم إدارة مشاريع التهذيب الاعتمادات المالية المتعلقة بتوزيع الكتب داخل البلاد وقد لا تكتفي بذلك بل تسهر على تأجير الشاحنات وتقديم التعويضات للعمال وشراء الوقود، والمعهد في كل ذلك لا يلعب سوى دور المتفرج، فدوره  مقتصر على فتح المخازن وتحديد الكميات وفق الطلب المحدد أصلا من وزارة التهذيب.

 

من يتحمل مسؤولية تسريب الكتب؟

 

 وأقر المصدر بأن المعهد التربوي لا يمكنه التنصل من عبء المسؤولية الأخلاقية عن تسريب اكتب للأسواق باعتبار أن مخازنه هي المستوعبة للكتب المدرسية، وهي الأقرب إلى تموين متاجر السوق السوداء بالعاصمة، لكن الإدارات الجهوية للتهذيب والمفتشيات الجهوية تتلقى هذه الكتب كذلك وتخزنها على مستواها في انتظار إيصالها إلى المستفيدين، لكنها في حالات عديدة لا تقوم بذلك، بل تجد بعض الكتب طريق الرجوع إلى العاصمة سالكا مغذية بذلك متاجر الباعة في السوق السوداء. وبالعودة إلى محاضر الشرطة والدرك في ولايات لبراكنة وكوركل تتبدى أمثلة بارزة على ذلك. ومن الضروري التنبيه إلى أن مدارس التعليم الخاص تتلقى هبة من هذه الكتب (وصلت إلى 90000 كتاب سنة 2012)، لكنها في أكثر الحالات لا توزعها على التلاميذ، بل يجد القائمون على بعض تلك المدارس أن بيع الكتب يمثل موردا ماليا إضافيا هاما تجب الاستفادة منه.

 

وفي غياب الرقابة الدقيقة على الكتاب المدرسي، تظهر إشارات تدل على أن بعض ممثلي دور الطباعة التي تعاقدت مع الحكومة الموريتانية على طباعة الكتب زادوا من طباعة بعض العناوين المدرسية المربحة (الكتب العلمية الخاصة بالسنوات التي يجرى تلاميذها الامتحانات الوطنية) عن قصد وأصبحوا بالتالي جهة منتجة وبائعة لهذه العناوين في السوق المحلية.