شكل العرض الأول للفلم المثير للجدل "تيمبكتو" صدمة في أوساط النخبة الذين تابعوه في قصر المؤتمرات بنواكشوط لجرعة العنصرية الزائدة فيه، وتحويل أحداث الشمال المالي إلي صراع عرقي بين "البيظان" و"الزنوج" يلعب فيه العنصر الأول أدوارا بالغة السوء.
الفلم الذي لفظته السينما العالمية لسوء إخراجه، وتهافت الرواية التي بني عليها، وغياب أي رؤية ناظمة لأحداثه، والمبالغة الكبيرة في بعض اللقطات الساذجة منه، ركز علي فكرة واحدة وهي شيطنة العنصر الأبيض، وتصويره بمنطق المحتل لأرض الزنوج "تيمبكتو"، والتعامل مع ساكنيها بمنطق أخرق.
تركيز مقصود
لقد تحول الفلم إلي مظلمة للزنوج بعد أن منع "البيظان" نسائهم من البيع في الأسواق دون خمار، وأطفالهم من اللعب بالكرة دون مبرر، وتعرض رجالهم للضرب تعزيرا بتهمة ممارسة الرياضة أو متابعة مباريات كرة القدم، وقتل البعض منهم دفاعا عن حقه في الصيد في مياهه (آمدو نموذجا) بعد أن قتل بقرة واحدة، وأجبر المسلحون البيض بناتهن علي الزواج قسرا باسم الشريعة الإسلامية دون ولي أو شاهد!.
ولعل الصورة المزرية التي ظهر بها الطرف الآخر كفيلة باثارة الفتنة وتحريض العامة عليه، قاضي بائس بلا عواطف، يبرر انتهاك أعراض المسلمات، ويحكم بالإعدام دون روية، ومسلحون يجوبون الشوارع وهم يجلدون الناس بالعصي، ويتسللون ليلا لمنع الزنوج من الغناء ولو داخل البيوت، وشبان تائهون يحاولون استدراج الفتيات في ظل غياب أزواجهم، ويعرضون أنفسهم للمخاطر من أجل لذة زائلة.بل أبعد من ذلك، ظهر العنصر الأبيض وهو في النهاية مرتبك جبان أمام "زنجية مجنونة" مولعة بتربية الدجاج.
إن مواجهة التطرف يجب أن تعتمد الحقيقة كمعيار لها، وأن يميز بين الإرهابيين وهم من كل الأجناس وبين مجموعات وشرائح بعينها،وأن يتم التعامل مع القضية بحساسية بالغة، ففي أزواد تطرف دون شك، ولكن فيه ثورة وظلم وشرائح تحركت من أجل العدل والمساواة ورفض التهميش، والرئيس الحاضر للفلم يدرك قبل غيرها صدقية مطالبها، بل إنه ساند بعضها بالمال والسلاح.
إن بث فلم تيمبكتو العنصري هو تعريض بشريحة ظلمها المتطرفون أكثر مما ظلما سيساغو، وتعرض للتهجير أكثر من غيرها بعد أن رفضت معايشة الظلم، ومخيمات اللجوء شاهدة، وهو تبني في النهاية لرؤية الجنوب المالي ضد الشمال المضطهد، وتهييج لمشاعر العامة الذين تحاول فاطم فال بنت أصوينع منحهم فرصة المشاهدة والغضب من مسلكيات أبناء جلدتها في تحريض مشترك مع مستشار الرئيس.
ندرك أن للمخرج مصلحة في جني بعض المال من فلمه المسيء، وأن للفرنسيين مصالح في توتير الأوضاع الداخلية في إفريقيا، وإذكاء النعرات العرقية، لكن ماهي مصلحة وزارة الثقافة في تشويه مكون اجتماعي بذاته، والتلاعب بمشاعر الناس، وتحريضها ضد بعضها البعض؟