ولد شيخنا يروى قصة ولد الدلالى وتسريب الأسماء (وثيقة)

نشر الرائد السابق محمد ولد شيخنا وثيقة حول علاقته بالمقدم مكحل ولد الدلالى، والأسماء التي تم تسريبها للأجهزة الأمنية، وما وصفه بالأخطاء الكارثية لزميله صالح ولد حننا، والتي أدت لاعتقال العديد من الضباط قبل محاولة سبتمبر 2004.

وهذه الفقرة المتعلقة بملف المقدم مكحل ولد الدلالى الذى ظهر في الإعلام وهو يعترف بضلوعه في الانقلاب، قبل أن يتبين أنه كان يعمل لصالح الاستخبارات الموريتانية ويتولى تسريب أخبار الفرسان لقادة الجيش في نواكشوط :

قصة مكحلة تعود قضية مكحله إلى ملابسات متداخلة، وكان السبب المباشر فيها التدخل غير الموفق للأخ صالح، وربطه لأفراد بآخرين لم يعد يتحكم فيهم أو لم يعودوا معنيين بأمره. كيف ذلك؟ كانت بداية ارتباط مكحله بالملف في العام 2000، حيث مثل الرائد -حينها- مكحله ولد محمد الشيخ الاستثناء الوحيد الذي قبلت الانفتاح عليه من الضباط الأقدم مني، فقد كان يشغل منصب مساعد مدير مركز التكوين التقني في روصو.

وكانت روصو مهمة بالنسبة إلي كمدينة حدودية قريبة من انواكشوط، بها العديد من مراكز التكوين التابعة للجيش والدرك والحرس، وبها أيضا مقر لكتيبة من المنطقة العسكرية السادسة.. بناء على هذه الاعتبارات، فاتحت الرائد مكحله في الليل عند منزل أصهاره بعرفات، وذلك عندما بدأت تتبلور بجدية إمكانية عمل شيء في حميا الاستعراض العسكري..

وقد استجاب بأريحية عندما اطمأن للهدف السياسي الديمقراطي، ولم يسأل عن المشاركين أبدا..

كشفت له عن اسمي الحركي "يحيى" وأطلق هو على نفسه اسم "سيدي حيبل". أعطاني رقم الهاتف الثابت الخاص به للتواصل، ولكنني اقترحت عليه وسيلة إبلاغ أخرى..

حيث كان عليه أن يستمع كل ليلة إلى البلاغات الشعبية عبر الإذاعة الوطنية، فإذا سمع أن: "يحيى يخبر سيدي حيبل أن الخلطة ستسافر غدا أو يوم كذا" فتلك هي الاشارة..

 اتخذ القرار بالتنفيذ يوم الجمعة 25/11/2000 عند حدود الزوال (اتخذته أنا وصالح عند الجانب الشمالي من مقبرة عرفات، حيث كان التواجد هناك غير ملفت، ولا سيما في مثل ذلك اليوم، وبالنسبة لي كان المكان أبلغ في تمحيص وإخلاص النية)، وكان موعد التنفيذ اليوم الموالي أي مساء السبت 26/11/2000 أي ليلة الأحد..

 كان علي إبلاغ مكحله بموعد التنفيذ، ولكن دوام الجمعة كان قد انتهى، ولا يمكن إرسال بلاغ قبل الأحد، ولن يذاع إلا ليلة الاثنين..

 لم يبق أمامي إلا أن أكلمه بالهاتف الثابت (لا توجد بعد الهواتف المحمولة) وهو ما لا أحبذه وإن كنت سأكلمه من هاتف عمومي.

وفيما كنت أقلب الأمر جاء يودعنا في المنزل أخ للزوجة كان حرسيا وينوي الهجرة لإفريقيا، وقد قرر السفر مساء إلى روصو في طريقه إلى السنغال.

فجاءتني فكرة بإرسال البلاغ عن طريقه، فأخبرته بأن هناك صديقا وقريبا له منصب كبير في روصو يمكنه أن ينزل عنده، وأعطيته اسمه الحقيقي ورقم هاتفه المنزلي، وطلبت منه أن يوصل إليه أني أعلمه بأن: "يحيى يخبر سيدي حيبل أن الخلطه سيسافرون ليلة الغد (الأحد)".. وأكدت عليه مرارا وتكرارا خصوصا بشأن الأسماء فرد علي: "فلان أنا لا يمكن أن أنسى هذه الأسماء، فالمرسِل اسمه مثل اسمي، واسم المرسَل إليه مثل اسم أبي!"..

فأرجعت النظر فإذا الأمر كما وصف..

وقد أخبرني مكحلة بعد ذلك أنه بات تلك الليلة ينتظر حدوث شيء في انواكشوط.

أما ما حدث في 2004، فهو أن مكحله كان في دورة بإسبانيا، وكنت أنوي الاتصال عليه لأطمئنه علي وأعرف هل ما زال على العهد الذي تركته عليه، وذلك من باب الإعذار بعد أن فاتته محاولة 8 يونيو 2003 بسبب وجوده خارج البلد، وقد كان الكثير من العسكريين وحتى المدنيين في البلد يطمحون إلى اجتراح البطولات بعد أن فاتتهم المشاركة في المحاولة السابقة..

 كانت مشكلتي تتمثل في ضمان التواصل الآمن معه.. تذكرت جماعة الضباط الزنوج المسرَّحين سنة 1990 (OCVIDH، ومن أفراد هذه الجماعة النقيب سوماري عبد العزيز والملازمون الأُوَّل جاكانا يوسف ومحمدو سي وجاه...

 وقد عملت معنا هذه الجماعة بكل جد وإخلاص ووطنية)، فطلبت من أحدهم (جاكانا) أن يبحث لي عن طريقة للاتصال برائد من منطقة الضفة (بوكي) كان صديقا لي وزميلا في الدفعة وكان موجودا مع مكحله في إسبانيا..

وقد طلبت من الضابط زميلي من الضفة -بعد أن طمأنته على أحوالي- أن يعطيني رقم قريبي مكحله لأسلم عليه، فرد علي أنه يحب أن يستأذنه أولا..

قلت له إن ذلك غير ضروري، وإن الأحسن لي وله أن يعطيني الرقم مباشرة، ولكنه كان متدينا ومستقيما جدا وأصر على استئذان مكحله الذي رفض أولا التواصل معي، ثم قبل ذلك بعد يوم أو يومين.

اتصلت بمكحله، وكان على وشك العودة للوطن بعد نهاية دورته..

وقد أبلغتُ صالحا الذي كان في مالي حينها -من باب الشفافية التي لم يكن يعاملنا بمثلها- بموضوع الاتصال بمكحله، فدخل على الخط وتواصل بنفسه مع مكحله وافتك الموضوع ليفسده بسوء التدبير كما فعل في قضية مشابهة نهاية 2003.

 ولا أدري كل ما دار بينهما، ولكن صالحا طلب منه أن يرتبط بضابط معين، ولكن ظهر فيما بعد أن هذا الأخير كان قد انسلخ من المشروع، ولم يعد معنيا به لاعتبارات تخصه وأحترمها له..

كما قام بربطه لاحقا بالرائد محمد الأمين ولد الواعر، والاثنان كانا ضمن الجهاز الداخلي المعول عليه في التحضير الميداني للمحاولة المقبلة. من جهتي، بقيت على تواصل مع مكحله، وذلك لاستقطاب عناصر جديدة، وهو ما أفلح في إنجاز بعضه.

فماذا حدث؟

"الأكيد أن مكحله لم يطمئن لضابط الضفة الذي تواصلت معه عن طريقه، وربما اعتقد أنه عين عليه، واستبعد تماما أن يكون الأمر عاديا، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى طبيعة شخصية مكحله وخلفية الاجتماعية والمناطقية ذات الحساسية في تلك المرحلة..

 من جهة أخرى تبرز هنا أسئلة أخرى وجيهة من قبيل: هل وافق مكحله على إعطاء رقم هاتفه بعد أن تجاوز الصدمة الأولية؟ أم أنه فعل ذلك بعد أن بلّغ واستأذن فأُمِر بذلك؟ أم أن المشكلة حصلت لديه بعد العودة للوطن، فوجد الذي اقترح عليه صالح الارتباط به لم يعد مؤمنا بالمواصلة؟... الله أعلم!.

من الوارد أن يكون هذا الضابط (مكحله) صار يعمل بشكل مزدوج.. الحقيقة أنني لم أشعر بشيء مريب، ولم أكن أشك مطلقا بإمكانية ذلك.. والسبب أنه لم يكن يبادر لتلبية طلباتنا بشكل فوري أو متحمس، ولم يسأل عن أشياء لا تعنيه. وعلى كل حال فهذا سلوك تُخدع به أقوى أجهزة الاستخبارات المتمرسة! وأعتقد أن النظام -لو كان الأمر على ما وصف- كان بإمكانه التأني للوصول لكل الأمور والأشخاص في الداخل والخارج. أما التوشيح فقد كان منطقيا لأنه يضرب أهم مرتكز، وهو الثقة بين الناس.. وكان اختيار مكحله نموذجيا، فهو من قبيلة كنته وأخواله قبيلة أولاد الناصر، وفق التصنيف الذي اعتمده النظام حينها. أما بخصوص لوائح الضباط، فصالح هو من أرسلها إلى "من يعرف" من حسابه الخاص على مكتوب (LIMBOT@maktoob.com)، ولست أنا من أرسلها، وقد كان بودي لو استظهر لنا صالح "ببرقياته" التي قال إنها صادرة من عندي، والتي فيها اللوائح المزعومة".

وأسأله هنا هل كان في لوائحي الضباط التالية أسماؤهم: الرائد حبيب ولد أبو محمد، الرائد محمد لمين ولد الواعر، المقدم زيدان ولد محمد محمود، المقدم الشيخ ولد اجدي، الرائد محمد فال ولد هنضيه، الرائد بون ولد اعل، الرائد ابراهيم ولد بكار النقيب محمد لمين ولد حبيب، الملازم أول دحنه ولد سيدي محمود... إلخ، فضلا عن بعض الضباط الذين عادوا إلى الخدمة والذين سأسكت عن ذكرهم.

أم أن هذه هي لوائحه هو والذي كان يكتم عنا غالبية أفرادها؟!.

 لقد كان انكشاف هؤلاء مسؤولية صالح عبر عمليات الربط التي لم يعد يتحكم في مواقف أصحابها ، بالإضافة -طبعا- لدور مكحله المعروف.

 أما ما يغالط به صالح بشأن لوائحي المزعومة فالأمر يتعلق ب5 إلي 6 ضباط لم يكونوا معنا ولكننا نعول علي استمالتهم في وقت معين ولدي مكحل من الصداقة والقرابة معهم ما يسمح له بجس نبضهم.

.وهم جميعا الآن باستثناء واحد فقط في الخدمة بل في أرفع المناصب. أما بخصوص الإنترنت، فالفرسان كانوا ظاهرة إلكترونية بالدرجة الأولى، وكان كل عملنا (استقطابا وتنسيقا وتواصلا... إلخ) يتم عبر هذه الوسائط الجديدة والسريعة والمناسبة لظروفنا الأمنية، ولكننا اجترحنا طرقا آمنة للتواصل مع الأشخاص الخاصين، مثل البريد الإلكتروني المشترك بين شخصين يدخلانه بنفس الرقم السري، ويكتب أحدهم للآخر ما يريد، ويحفظ ذلك في المسودات دون انتقال أي رسالة من بريد لآخر خوف الاعتراض.

والذي يريد الغمز من قناتنا في هذا الموضوع فتلك مشكلته!

هذا ما كان متاحا، ولم يكتشف لنا متعامل بهذه الوسائط قط، لأننا نحتاط ونستخير عكس صاحبنا الذي يندفع إلى الأمور اندفاع ثور المصارعة إلى القماش الأحمر.. وهو يعرف ما حصل له عندما أراد أن يجرب حظه بعيدا عنا.. فالله غالب على أمره، ولا يحب الخائنين، "وإن يعلم الله في قلوبكم خيرا.. يؤتكم خيرا"!

ومن نماذج تسريبات تلك المرحلة التي كان البعض يقع فيها، ما ذُكِر لي - في ما بعد- حول قيام رئيس حزب وطني بجمع أعضاء مكتبه السياسي ومخاطبتهم بحسن نية قائلا:"علينا أن نستعد.. فربما يحدث تغيير في الأيام القادمة"!

ومن كانوا على علم بالأمر من الشخصيات الحاضرة أرادوا التغطية على الكلام!!.

وللأسف، فقد كان الرائد صالح هو مصدر المعلومة، وكان هو من كشف لاحقا نفس الزعيم للمحققين، مما أدى لاعتقاله ومحاكمته".