ألوان الجوى ..من المحيط إلى الخليج (ديسمبر 1998م)

القاضي عمر السالك بن الشيخ سيد محمد

بان الحبيب فلم تنم أجفاني
ونأى بجانبه الكرى، وجفاني

في ليلةٍ لَيْلاءَ.. أعجزَ وصْفُها
شعري! فأين قصائدي وبياني؟!

هل موجةُ الشِعْر الحديث سعت إلى
إقصاء قافيتي من الميدان

أم أنني جازوتُ منعطف الهوى؟!
أترى يكون الفِكْرُ قد ألهاني!؟

هَذِي سؤالاتٌ تـجُول بخاطري
طرقت خيالي دونما استئذان

بَيْنَا يَجُولُ الفكر في خطراته
متفجّر الأشجان كالبركان

إذ أقبلتْ ذاتُ الجمال وأدبرتْ
عبر الخيال.. فثارَ كلُّ كياني

يا مرحبا بالشمس في ظُلَم الدُّجى
جاءت تثير كَوَامنَ الوجدان

مصقولة زهراء.. أشرق خدُّها
فأضاء ظلمة ليلتي وزماني

ومن المحيط إلى الخليج سَرَتْ بها
سفن الخيال.. تجول في الأوطان

جاءت تجوب القـفر، من "شنقيط"؛ من
أرضِ المحبّة، من رُبَى "كَطَوَانِ"

حتى تجازوتِ الجزائر، مثلما
قطعت حِمَى "النِّـيـلَـيْـنِ" والسودان

واستسهلتْ قَطْعَ البحار! وجاوزتْ
أرض الحجاز و"مسقطٍ وعُمان"

حتى أتت أرض الإمارات التي
مُزجت بها الأفراح بالأحزان

وهنا.. توقفتِ العقاربُ بُرْهَةً
فيها الزمانُ مع المكان سيان

إذ لا زمانَ ولا مكانَ بعُرفها!
وتوقَّفَ التاريخُ في نسيان

ثم التقينا لحظةً وتعانقت
أرواحُنا.. كتعانُق الخُلاَّن

وتفتّقتْ سُحبُ الخيال.. وأمطرت
مَطَرَ الحقيقة، وانتشت أجفاني

فإذا أنا.. مُلقىً على فُرُشٍ هُنا
عند الخليج.. أعُجُّ بالأشجان

وإذا الحبيبةُ لا تزال هناااااااااك... في
أرض المحيط وموردِ الظمآن!

فكأنني المسجونُ في "مُراكِشٍ"
وفؤادُه بـ"معرّة النعمان"!

يا دهرُ.. هل لي نظرة في وجهها
تُروي غليل العاشق الولهان

هل إلى وجه الحبيبة نظرةٌ
أو قبلةٌ في خدّها الرمّاني

أم هل ترى أشتَـمُّ في مستقبلي
عبَقاً لها كالرَّوْح والريحان

أم هل أرى ياقوتةً في جيدها
وسوارَها في زندها الريّان

يتزينان بجيدها وبزندها
مثل السلاح ازدانَ بالفرسان!

يا طِفلةً عايشتُ ألوان الجَوَى
لفراقها.. فأنا الأسيرُ العاني

يا زهرة كالشمس في وضح الضحى
وضياؤها يسري إلى الأكوان

يا غادتي.. هلاّ أعدتِ زيارتي
هلاّ أتيتِ لتُذهبي أحزاني!

إن الحبيبة ودّعتْ، فاستَودعت
بجوانحي كلّ الجَوَى الإنساني!

ولئن تعذّر وجْهُها فخيالُها
يسبي الحِجا بجماله الفتّان

فالله يرعى حَـيَّها؛ إذ حيُّها
فيه انتشارُ معالمِ الإيمان

"كَطَــوَانُ" حيٌّ أشرقتْ شمسُ الهُدى
بسمائه ردحاً من الأزمان

بربوعه تَحيا الشهامةُ والندى
بين السُّفوح ومُلتقى الوديان

وبأرضه نبَتَ الحياءُ.. فأينعتْ
أزهارُه كشقائق النعمان

"كطوان" حيٌّ أهلُه أنسابُهم
ترقى إلى خير الورى العدناني

"كطوان" حيٌّ من رُبى "شنقيطَ".. مِنْ
أرضِ المحيط، ومنتدى الأوزان

شنقيطُ.. معترك الحضارة والبدا@وةِ.. إنها لهي الحجاز الثاني

ولئن تجاهلها المشارقةُ الأُلَى
حجزوا لها في صفحة النسيان

فلقد تأبّطها الزمانُ.. فسَطّرتْ
صفحاتِه بخَوَالص العقيان

وتُنُوقلت بين الورى أخبارُها
وتبيّنت.. لمُسائل الرُّكبان

إن "المحاظر" أشرقت في أرضها
بمجاهد وبعالم رباني
إن شئت شعرا أنشدوك قصائدا
كروائع الضلّيل أو غيلان
أو شئت فقها فقهتك نساؤهم
وبناتُهن، فكيف بالفتيان!
في كل فجٍّ عالمٌ وعلومُه
كفواكه للقاطفين دوان
أما الكتاب فلا تكاد ترى فتى
إلا ويحفظه من الصبيانِ
ولئن سئلت عن الحديث وأهله ..فليأتينك خيرة الشُّبّان
بموطآت يحفظون نصوصها
براوية الليثيّ والحدثاني
ولربما حفظوا الصحاح بأسرها
برواتها من غيرما نسيان
فالقوم في طلب العلوم حياتهم
يقضونها بتجرد وتفان
ليست حياة الناس مثل حياتهم
كلاّ ولا الأذهان كالأذهان
سل مصر عن نجل التلاميد الذي
زان البلاد بمنطق وبيان
قد صحح القاموس لولا حفظه
ماكان للقاموس من وجدان
سل عنه مصر وتركيا، فالتركز
ي قُطب الرحى بمجالس الأعيان
وسل الحجاز وأردُناً عن فتية
نشروا العلوم هناك من "جاكان"
قد شيدوا صرح العُلى وتصدّروا
في المسجدين وفي قضا عمّان
وسل العراق عن "الأمين" وعلمه
وجهاده حين التقى الجمعان
وسل الإمارات الحبيبة، إن تسل
عنهم تجبك بمنتهى العرفان
أن "الشناقطة" الذين بها هُمُ
من خيرة العلماء في الميدان
فهُمُ القضاة بها، وهم مُفتُو الورى
والباحثون، وشرطة الشجعان
وسل الأفارقة الذين تلقّفوا
دين الإله وشرعة الرحمان
من بعدما كان الضلال يسودهم
وعبادة الأصنام والأوثان
سلهُم عن الإسلام كيف أتاهُمُ
غضّا طريًّا كامل الأركان!؟
سلهم.. تُجبك مساجدٌ: أن العُلا
من منتجات عشائر البيظان