قال المفكر الموريتانى محمد ولد المختار الشنقيطى إن حركات الإصلاح والتجديد تحتاج فى بعض الأحيان إلى من يصلحها ويجددها حينما يطول العهد، وتتراكم الحجب الجديدة.
ورأى الشنقيطى فى محاضرة بعنوان "السلفية والميزاج الحنبلى" أن عملية التجديد لابد فيها من العودة إلى النبع الأول، وهو الوحى (الكتاب والسنة)، باعتباره منجم لاينضب، قائلا إن الثقة فى الشرح تحجب عن المتن.
واعتبر الشنقيطى أن الثقة فى الشرح ثقة زائدة سبب الحجب القائمة، بعد أن ترك القرآن للحديث، وتركنا الحديث لكبار الأئمة، وتركنا فهم كبار الأئمة للفقهاء.
وقال الشنقيطى إن المهذب الحنبلى هو حركة اجتماعية مناضلة تحمل هم الإصلاح والتغيير، وحركة اعتقادية، وليس مجرد مذهب فقهى كما هو حال بقية المذاهب الأخري الإسلامية، وبالتالى تحول من مدرسة إلى حركة سنية داخل الأمة.
واستعرض الشنقيطى ما أورده ابن عقيل عن وصف قوم الإمام أحمد رضى الله قائلا " هُم قوْم خُشُنٌ ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة ، وغلظت طباعهم عن المداخلة ، وغلب عليهم الجدّ ، وقلَّ عندهم الهزل ، وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءاة ، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات ، وتمسكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة ، فلم يدققوا في العلوم الغامضة ، بل دققوا في الورع ، وأخذوا ما ظهر من العلوم".
وقال الشنقيطى إن ميزاج التيار السلفى عموما هو ميزاج أثرى، يجهد فى التأصيل، ويبحث أصحابه لكل فكرة جديدة عن أي سلف، ولديهم سوء ظن بالثقافة العقلية، وهو نتاج الصراع مع المعتزلة، وبالتالى باتت لديهم ردة فعل على الثقافة العقلية عموما، وهو مذهب إليه ابن خلدون حينما وصف مذهب الإمام أحمد بأن أتباعه أقلية بفعل البعد عن الاجتهاد.
ورأى الشنقيطى أن الحنابلة هم أشد الناس حرصا على نقاوة المصدر، ولكن لديهم "سوء هضم فكرى"، وربما ساد فيهم "جمود النقلة"، حيث يأخذون الأمور نقلا، ولا يتعبون أنفسهم فى فهم الأمور أو نقاشها، ولديهم سعة فى الفقه وضيق فى العقيدة"، فهم أقل المذاهب تمذهبا فى القضايا الفقهية، وأكثرها تمذهبا فى القضايا العقدية، من خلال تمسكهم بتفسير واحد فى قضايا العقيدة.
ورأى الشنقيطى أن الحنبلية كحركة اجتماعية تعتبر من "أكثر الحركات قلقا على الإسلام وأكثرها اقلاقا للمسلمين"، فهم لديهم قلق إيجابى على الصالح العام للأمة، والتعامل بقلق كبير من قضايا الأمة الإسلامية، لكنهم يتسببون دائما فى القلق للمسلمين الآخرين بحسن نية، من شدة الإنكار أو الجفاء.
وقد رصد ابن خلدون – حسب محمد ولد المختار الشنقيطي- هذه الأزمة فى القرون الماضية حينما قال إن الفتنة ظلت قائمة فى العراق بين السنة والشيعة وبين الحنابلة وسائر المذاهب.
كما أن التيار الحنبلى حسب المفكر محمد ولد المختار الشنقيطى لديه انفعال زائد خلال دفاعه عن السلف، من خلال التهويل والزيادة، قائلا إن الحنابلة هم الطائفة الوحيدة التى ألف أحد أعلامها كتابا يدافع فيه عن "يزيد ابن معاوية" فى تعصبه لسلف الأمة – وهو عبد المغيث البغدادى- ، مما دفع ابن الجوزى للرد عليه فى كتاب آخر هو " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد".
وأكد الشنقيطى أن الميزاج الحنبلى فى تجلياته السياسية تفاوت تاريخيا بين الموادعة، والمشاغبة والمشاركة.
ففى مرحلة الإمام أحمد ابن حنبل عليه رحمة الله كان الرفض للدولة ومناصبها هو السائد، وبعد ذلك بدأ عصر المشاغبة والثورة على المخالفين عموما فى الشارع فى عهد "البربهاري" فى القرن الرابع الهجرى، واسمرت لقرنين، وكانت تتميز بمواجهة الشيعة وتحدى السلطان، ومنابذة الشيعة فى الشارع، ومواجهة الأشاعرة، ومع نهاية حكم العباسيين بدأت مرحلة أخرى كانت أبرز ملامحها "المشاركة السياسية"، وقد بدأت هذه المرحلة مع الوزير ابن هبيرة وهو وزير فقيه حنبلي، والقاضى "أبى يعلى" وابن الجوزى الذى تحول إلى الواعظ الرسمى للدولة، وابن تيمة مع المماليك خصوصا فى الفترة التى كفوا فيها عن مضايقته، ومع بداية الحكم السعودى فى الفترة الأخيرة.
ورأى الشنقيطى أن الدولة السعودية أممت الفكرة والمذهب، واستخدمته بدل خدمته.