
مع اقتراب زيارة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية الحوض الشرقى تطرح عدة أسئلة داخل الساحة المحلية بالمنطقة ، ولدى العديد من دوائر صنع القرار بالبلد، عن أهداف الزيارة الرئاسية ؟ وطبيعة الخطاب المحتمل؟ بل وماذا يريد رئيس الجمهورية عموما من مجمل الإجراءات الأخيرة (الحوار والتعديل وتغيير مراكز الثقل العسكرى الأمنى بموريتانيا) ، مع بداية حراك سياسى يعتقد أهل السياسة والتجربة أن مساره قد بدأ بالفعل ، وأن كل خطوة للرئيس يجب أن تكون خادمة للهدف المرسوم من طرف صاحب الفخامة ، ومعززة للمسار الذى أطلقه منذ فترة لترتيب عملية سياسة هادئة، تمنح الشعب ما يتطلع إليه من استقرار وتنمية، وتضبط قواعد العملية السياسية للقادم من إجراءات تنفيذية ودستورية تحتاج إليها المرحلة، دون تجاهل المعلوم من تعقيدات الساحة المحلية والمخاطر المحيطة بالبلد من الجنوب والشرق والشمال الغربى ، إنها لعبة سياسية معقدة قد حان بالفعل وقت الدخول فيها، واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الجهاز التنفيذي تحسبا لمقتضياتها ، سعيا لخلق منظومة سياسية وتنفيذية متماسكة قبل مجمل المواقيت الانتخابية المنتظرة (2028- 2029).
حينما أطلقت الأغلبية الرئاسية مسار التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية 2019 كانت البداية المحتملة للمسار المذكور مهرجان الثالث من مايو 2016 فى مدينة النعمه (عاصمة الحوض الشرقى) ، وكان جمهور الداعمين للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ينتظرون الإعلان عن ملامح المستقبل المنشود، لكن المهرجان أختزل فى معركة غير سياسية مع أعضاء مجلس الشيوخ( حل المجلس بعد التشهير بأعضائه) ، وتصريحات مثيرة للجدل حول مكون اجتماعى ، دفعت حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا إلى تكريس حملته اللاحقة على المهرجان لتخفيف التداعيات المحتملة لتلك التصريحات المثيرة للجدل .
ولذلك أجهض عامل الوقت وتعقيدات الواقع وكثرة المناوئين والمتحفظين ، مجمل الخطط المحتملة للبقاء داخل السلطة أو التحكم فيها ، وهو ما أدي إلى انقسام كبير داخل الأغلبية ذاتها وقد كان من أبرز تجليات ذلك المشهد وقوف بعض النواب والساسة ضد المساعى الرامية لحل مجلس الشيوخ ، أو تعديل الدستور للتمديد للرئيس ، ولم يكلل مسار التحضير لمؤتمر الحزب بالنجاح، وأضطر الرئيس إلى اتخاذ قرار بإزاحة خصمه غير المعلن من قمرة القيادة (سيدي محمد ولد محم ) دون معرفة الرئيس القادم للحزب، وهو ما قاد فى النهاية إلى تشكيل لجنة تشاركية للقيام بمهمة الرئيس (20 شخصا) ، فى حادثة هي الأولى من نوعها بتاريخ الأحزاب السياسية فى العالم ككل.
يختلف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عمن سبقوه فى السلطة، بحكم الشرعية السياسية التى يتمتع بها، فهو أول رئيس موريتانى يصل السلطة عبر صناديق الاقتراع، ويستمر فيها عبر الآليات الديمقراطية ذاتها ، دون ضغط ، أو إكراه، أو تزوير ، أو إقصاء.
وهو فوق هذا وذاك يمتلك مشروعية الإنجاز، بحكم المعلوم من جهوده الرامية لتعزيز التنمية بمجمل أرجاء الوطن ، وحفظ الاستقرار فى محيط ملتهب منذ توليه قيادة الأركان إلى توليه مقاليد الحكم بشكل كامل ، وحماية الهوية الإسلامية من مجمل المخاطر القائمة (الغلو والتفريط) ، مع حرصه الدائم على تعزيز العلاقات الخارجية للبلد، دون تفريط فى الثوابت، أو القبول بسياسة المحاور الإقليمية والدولية، أو رهن القرار السياسى لموريتانيا مقابل المال أو الدعم السياسى.
لكنه فى المقابل رجل يظلم نفسه ، ويمنح خصومه فرصا ماكانوا يحلمون بها داخل فضاء السياسة وتدبير الشأن العام ، وذلك بزهده فى الإعلام والحضور ، والعزوف عن إظهار المنجز، أو استغلاله لتكريس صورته كحاكم غير قواعد اللعبة السياسية بموريتانيا ، بينما كان غيره يحاول إقناع السكان بأن قواعد اللعبة قد تغيرت بالفعل ، بمجرد إنشاء سد مائى فى منطقة معزولة ، أو تسييج مقبرة فى منطقة صخرية ، أو لتجهيز حمام فى ثانوية بلا حائط داخل احدى المدن العريقة ، أو إطلاق مشروع لما تكتمل كل مراحله، ولم تأخذ الإجراءات الضرورية لصيانته، وتأمين استمرار الخدمة المطلوبة منه على الأمد البعيد.
ومع ذلك لايزال فى الوقت متسع لتمرير خطط الرئيس المطلوبة لتطوير الحكامة وتعزيز المنجز ، وضمان الانتقال نحو مرحلة سياسية جديدة بأقل جهد سياسى ممكن ، ولدى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من ثقة الشعب ، ودعم قواه الحية ما يمنحه الإرادة المطلوبة لاتخاذ كل التدابير اللازمة، وضمن الآجال القانونية المطلوبة كذلك.
ولعل هذه أبرز الملفات المطروحة للنقاش والحسم قبل الزيارة الرئاسية وبعدها ، أو الإجراءات المطلوبة علي أقل تقدير من مجمل المتطلعين لرؤية مرحلة جديدة من نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، بعد سنوات كانت مقنعة وذات مردودية كبيرة على الوطن ومجمل المقيمين فيه فى مجالات حيوية كالصحة والتعليم والزراعة والنقل وتعزيز الوحدة الداخلية لأبناء البلد الواحد:
1- إعادة تشكيل حزب الإنصاف الحاكم قبل نهاية دجمبر 2025 ، بما يضمن الفاعلية والتوازن داخل مكاتب الحزب السياسية، ومنح أهل السياسة فرصا أكبر فى تصدر الشأن السياسى وإدارة الأجسام السياسية المسؤولة عن حماية الروية السياسية للنظام والدفاع عنها .
2- وضع حد لظاهرة تعدد الرؤوس داخل الجهاز التنفيذي، وإعطاء رسالة واضحة عن ضرورة الانسجام والتعايش داخل الدوائر الحكومية، فلا يوجد أخطر على النظام الحاكم من تحول البعض من ركيزة للإستقرار داخل الجهاز التنفيذي ، إلى مخلب هدم، ونقطة وجع مستمرة، ومنصة لإطلاق النار على كل جهد يقام به.
3- إطلاق مراجعة فورية للتقطيع الإداري، من أجل رفع الغبن المعاش فى بعض المناطق، ومنح الساحة المحلية فرصا أكبر للاستقرار، وإعادة التعامل مع الواقع الجديد، وذلك قبل الدخول فى المسار الانتخابي المحضر للإنتخابات التشريعية والجهوية والبلدية.
4- إطلاق الحوار الشامل مطلع يناير 2026 بمن حضر، وحسم القضايا الأساسية المطروحة للنقاش ، بحكم وجود وثيقة مكتوبة تضم أفكار مجمل القوي السياسية بالبلد ، ورؤيتها للمشهد القادم، والخروج من دائرة التأجيل والتسويف وتعطيل حراك المهتمين بمستقبل البلاد.
5- الإعلان عن مشاريع جديدة بكل ولاية يزورها ( مدن جديدة/ مسابقة لاكتتاب بعض العمال) مع عرض حصيلة للمنجز خلال المرحلة الماضية.
ومع ذلك يظل صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني أدرى بما يجب فعله ومتي يجب فعله ، وهو بتعقيدات المشهد أدرى من مجمل المحيطين به بحكم عامل التجربة والموقع ، وقد عودنا دوما على اتخاذ التدابير اللازمة فى العديد من الملفات الحساسة والحيوية، كلما تطلب الوقت ذلك. ومهمتنا ، كإعلاميين وساسة وصناع رأي هو الوقوف إلى جانبه، وتثمين ما أنجز وهو كثير، والدفاع عن قراراته بحكم المعلوم عنها من التجرد والنظر فى عواقب الأمور ، وأخذه بمصالح البلاد قبل أي قرار.