ولد أجاي إلى الراحة بعد عام استثنائى / سيد أحمد ولد باب (*)

لم يك قرار رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى القاضى بمنح العطلة السنوية للوزراء مجرد ابروتوكول عادى لدى البعض، بل هو إجراء مطلوب وحاجة ملحة، وفرصة لإلتقاط الأنفاس، وخصوصا للرجل الثانى في هرم السلطة التنفيذية الوزير الأول المختار ولد أجاي، الذى ستتاح له الفرصة لأول مرة من أجل تناول الإفطار مع أطفاله وذويه، والإستماع لأنصاره وحلفه السياسى في مسقط رأسه وكبار داعميه، بعد سنة من شد الأحزمة، والإبحار بالطاقم الوزاري في معترك بالغ التعقيد والتشابك، بغية رفع التحدى الذى واجهه من أول يوم في قصر الحكومة.

12 شهرا كانت بالنسبة لبعض أعضاء الحكومة بمثابة الكابوس، بعدما ألفوا الدعة والراحة، وأدمنوا التسويف وخلق الأعذار لتبرير الضعف الملاحظ أمام من سبقوه من منسقى العمل الحكومى، وكانت بالنسبة للبعض الآخر فرصة لإعطاء صورة عن قدرة الشباب على رفع التحدى والإنجاز المسؤول، بينما كانت قاسية في أوساط المال والأعمال، بعدما دققت الحسابات، وسدت منافذ الفساد، وقلصت فرصة الهروب من المحاسبة، وألزمت الشركات بتنفيذ الأشغال وفق المعايير المنصوص عليها وفى حدود الآجال المتفق عليها، وتم جرد نقاط الضعف والضغط من أجل التعافى المبكر، وأطلقت ورشات كبرى في العديد من مجالات الحياة، وخرجت الحكومة عن موسمية التدشين في الاستقلال إلى واقع جديد يعكس الفارق بين الرجل ومن سبقوه لثقة رئيس الجمهورية، حافظوا على تلك الثقة لبعض الوقت أو خسروها بشكل مبكر.

حدد الوزير الأول المختار ولد أجاي منذ اليوم أمام الجمعية الوطنية رؤية الحكومة للأشهر القادمة، وألزم نفسه بحسم المشاريع الكبرى قبل نهاية العام، وكانت المائة اليوم الأولى شاهدة على عمق التجربة، وقوة الشخصية التي أدار بها المشهد التنفيذى، وصدقه مع الرجل الذى أختاره، فانتهت الأشغال في الجسور والمستشفيات وأعمال كهربة الضفة وتسوية ملف المزارعين، وضبط الإحتياط العقارى للبلد، وانتهت أعمال القرصنة واستغلال النفوذ داخل المجال العقارى بشكل كامل، وطورت الخدمات المالية وتم تسهيل المعاملات الخاصة بالعقود والوثائق الرسمية ورقمنة العديد من الخدمات الضرورية ، وقربت خدمات أخرى من الجمهور، فاختفت الطوابير أمام مكاتب الحالة المدنية، وضبطت المداخيل بشكل كامل، وسهلت الإجراءات المطلوبة في مجال إنشاء الشركات الخاصة وتمت حماية الدومين العام البحرى بصرامة قل نظيرها، وتم تفكيك شبكات الجريمة وتزوير الوثائق الرسمية وأعيد الأمان لقطاع المال ، وتمت ترقية حقوق الإنسان عبر سجون جديدة فيها من الأمن ما يغنى عن مطاردة السجناء في الشوارع بالأعيرة النارية، ومن الخدمات ما يعكس الروح الإنسانية التي يدار بها المشهد، ومن الفرص ما يمنح التائب فرصة الخروج بمهارة تغنيه عن خرق النصوص القانونية الناظمة لحياة الناس، وتم ترميم المنتزهات ودخلت الجامعة الجديدة حيز التنفيذ بشكل أسرع مما توقعه البعض ،وأطلقت ورش كبيرة في مجال الكهرباء والمياه، بعد غربلة الشركات المذكورة، وتسوية أوضاع الشغيلة داخلها دون إضراب أو احتجاج أو إنذار، وأعيد تشغيل الموانئ بروح جديدة، وضخت فيها الدماء اللازمة، وتم تطوير العلاقة بالعاملين فيها من حمالة وإداريين ، مع رفع الطاقة الاستيعابية، وتحديث وسائل العمل وتعزيز إجراءات السلامة وتحسين الأوضاع المادية، وإعطاء صورة أخرى عن واجهة البلاد البحرية غير التي ألفها الناس عن ميناء البلاد الرئيسي، وانتقلت وضعية الحمالة من منطق التظاهر والقمع المستمر لأصحاب المظالم، إلى التشاور وطرح الرؤي وعرض المطالب بأسلوب متحضر، وتبادل النكات مع صاحب القرار الأول والأخير على طاولة الإفطار المشترك، والإشادة به، دون طلب أو ضغط أو توجيه.

 

لم يكتف الوزير الأول وهو يحسب ساعات السنة الثقيلة على خصومه، السريعة بين يديه بما تحقق في مجال البنية التحتية أو رد المظالم وحلحلة المشاكل الأساسية ، و تطوير المنظومة القانونية الناظمة للصحة والتعليم والقضاء والصفقات العمومية والولوج للوظائف العمومية والشراكة مع القطاع الخاص، وتصنيف الشركات وتمهينها، ودفع تكاليف الأعمال دون تسويف أو مراوغة أو خداع أو رشوة ، بل عمد بتوجيه مباشر من صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزوانى إلى إطلاق مشاريع جديدة، لعصرنة العاصمة نواكشوط، ولتقريب الخدمة في الوقت ذاته من سكان الداخل بتمويل ناهز 300 مليار أوقية.

وجابت وفود الحكومة مجمل الولايات للاستماع للفقير العاجز عن التحرك، والسياسى غير الممثل في البرلمان، وشيوخ القرى وآدوابه، والإدارة الإقليمية، وبلورة برنامج أولى يستجيب لكل الحاجيات الأساسية، لم تسلم منه بلدية، ولم تستثن منه قرية على أساس سياسى أو جهوي، وكانت فيه الأولوية للصحة والتعليم والمياه بشكل لاغبار عليه.

ولم يكتف الوزير الأول المختار ولد أجاي كذلك بالعمل من أجل تفعيل الإدارة، ومتابعة أخبار الجمهور والمظالم المعروضة عبر وسائط التواصل الإجتماعى، بل فتح نافذة للتواصل مع صاحب كل مظلمة، وكانت "عين" الحكومة نافذة أمل أخرى، فيها يجد كل مواطن فرصة للتعبير عن واقعه وعرض مظلمته، ومنها تلزم الأطراف الحكومية بالتعامل مع الجهات المتضررة بالسرعة المطلوبة، وحل المشاكل القائمة بشكل فورى، وتبرير الموقف أمام الجمهور، بدل الاختفاء خلف أبواب المكاتب الموصدة.

 

واليوم يغيب الوزير الأول المختار ولد أجاي، ولأول مرة عن مكتبه بقلب العاصمة نواكشوط، بعد أن أستفاد من عطلته السنوية، لكن حركة العمل في الدوائر الحكومية مستمرة وبوتيرة تشبه أو تقارب الوضع الذى كانت عليه وهو فى المكتب ينفذ توجيهات رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى ، على أمل العودة بعد أسبوعين لتنفيذ جزء آخر من برنامج رئيس الجمهورية الذى تقدم به للجمهور قبل سنة، وخدمة البلد الذى أختير لقيادة التشكلة الوزارية المسؤولة عن تدبير أموره، ورد الجميل لرجل أختاره من بين كل رفاقه لتحمل المسؤولية في وقت بالغ الحساسية عالميا وإقليميا وداخليا، رغم كل السهام التي واجهته، والتحريض الذى تعرض له، وحملات التشهير التي طالته، والإجراءات التي اتخذت من قبل بعض أركان الأغلبية لقطع الطريق أمام مستقبل لا يريدونه، ولو كان فيه خلاص البلاد من الفساد والترهل، وخدمة الرجل الذى تجمع مجمل أطراف الأغلبية والمعارضة على أنه الأفضل في تاريخ البلاد المعاصر.

 

(*) مدير موقع زهرة شنقيط