نصف مليون ناخب لصالح مرشح السلطة 2014 .. فهل يكسر رجال ولد الغزوانى الرقم أم يسلموه للمجهول؟

تمكن مرشح السلطة الحاكمة بموريتانيا 2014 الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من الحصول على أكثر من 587 ألف صوت أي 81:89 ‎%‎ من الأصوات، فى انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة الأساسية بالبلد بينما تمكن أقرب منافسيه والحاصل على التزكية من طرف معاونيه - دون استشارة بعضهم- . بيرام ولد الداه ولد أعبيد من حصد 8.67 ‎%‎ من الأصوات (61218 صوتا).

وحل المرشح بيجل ولد هميد رئيس حزب الوئام المعارض ساعتها في المرتبة الثالثة مع 4.50 ‎%‎ (31773 صوتا). وحل القيادي الزنجي إبراهيم مختار صار النائب والصحافي السابق ورئيس تحالف الديموقراطية والعدالة/ الحركة من أجل التجديد فى المركز الرابع بعد 4.44 ‎%‎ (31368 صوتا).

وحلت في المرتبة الأخيرة المرأة الوحيدة التي ترشحت للانتخابات الرئاسية وهي مريم بنت مولاي إدريس مع 0.49 ‎%‎ (3434 صوتا).

كانت نسبة المشاركة عالية رغم مقاطعة الطيف المعارض حيث وصلت إلى وحصل عبد العزيز على 577995 صوتا أي 81:89 في المئة من الأصوات، حسب ما أعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات عبدالله ولد سويد أحمد. واحتل عبد العزيز المرتبة الأولى أمام بيرام ولد داه ولد عبيد الذي حصد 8.67 في المئة من الأصوات (61218 صوتا).

انتخابات وصلت فيها نسبة المشاركة إلى 56.46 ‎%‎ رغم حديث المعارضة عن التزوير الممنهج فى الانتخابات ،وغياب الضمانات المطلوبة لمشاركة الناخبين فى الاقتراع بشكل سليم.

فى الثاني والعشرين من يونيو 2019 تمكن وزير الدفاع السابق محمد ولد الشيخ الغزواني من المرور بسهولة نحو القصر الرئاسى ، رغم المعارضة القوية للسلطة ومرشحها ، والأخطاء الكبيرة التي صاحبت المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز فى مجالي التسيير والحريات العامة ،ودخوله فى معركة مفتوحة مع عدد من مراكز الثقل الإنتخابى بموريتانيا قبل المغادرة ، وجنوحه للمواجهة مع عدد من دول المنطقة والإقليم العربى عموما ؛ ضمن سياسة المحاور التي أخذت شكلها النهائى مع نهاية الربيع العربي الذي عاشته المنطقة منذ 2011.

كان المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني يدرك صعوبة الأرضية التى بنى عليها ترشحه للإنتخابات الرئاسية ، وحاول النأي في خطاب مارس 2019 بنفسه عن الخط الصدامي الذي قاده سلفه محمد ولد عبد العزيز مع النخب السياسية الحاكمة ، أو المحكوم بها منذ الإستقلال، ولم يظهر الحماس الذى كان متوقعا من بعض المحيطين به للصدام والتنابز مع القوى الإسلامية أو المعارضة التقليدية بشكل عام، رغم حدة الخطاب الذي قوبل به من بعض المرشحين ( فى روصو وأركيز ) باعتباره مجرد لعبة بيد رجل آخر؛ وهو الشعور الذى بنت عليه العديد من النخب السياسية مواقفها المعلنة (دعما أو معارضة) جهلا بالرجل، والعقلية التى يدير بها الأمور ،بحكم التكوين العسكرى والتربية الصوفية ، والبعد من الاحتكاك المباشر مع النخب المدنية المتصدرة للمشهد السياسى بموريتانيا.

ومع فرز النتائج النهائية كان المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني قد تأكد من الفوز بشكل مريح بعد حصوله على أكثر من 52‎%‎ من أصوات الناخبين فى الجولة الأولى ، بعد أن صوت لصالحه قرابة نصف مليون ناخب.

وتشكل الأرقام فى المأمورية الأولى للرئيس نسبةً الأمل القائمة فى التغيير بحكم جهل أبرز قطاعات الشعب به ، كما أنها ترجمة لقوة المرشح ونصاعة خطابه وقناعة الجماهير بالوعود التى يطلقها، بينما تعكس الأرقام فى المأمورية الثانية مكانة الرجل فى نفوس مواطنيه، والثقل الذى تتمتع به النخب المحيطة به فى أوساطها الاجتماعية والفئوية، وسلامة الرؤية التى يدير بها البلاد؛ وهو مايطرح أكثر من سؤال حول نية المحيطين بغزوانى اليوم؟ وكيف يتعاملون مع استحقاق حساس، تشارك فيه المعارضة هذه المرة، ويأتى فى خضم حراك إعلامى كبير، وتحيط به تحديات قارية تجعل قناعة أوساط كبيرة من الشارع الموريتاني بالعملية الديمقراطية جد معدومة، بحكم الخيبات المتتالية للطيف المعارض، وتراجع حماس النخب الفاعلة فى الأغلبية ،بفعل الغبن الذى تشعر به ، وضعف التمثيل الذى تحظى به، مقارنة مع رموز تسلقوا جدار التوزير والتوظيف دون رصيد شعبى، أو خبرة مغرية، أو مكانة سياسية واجتماعية لافتة،إذا أستثنينا النزر القليل من رموز السلطة فى الوقت الراهن.

فى الحوض الشرقى 6 وزراء وبعض مستشاري الرئيس وقادة لعدد من المؤسسات العمومية، ولايزال الشارع يقتل الفراغ الحاصل قبل ثلاثة أشهر من الإنتخابات الرئاسية بقصص الفارين من جحيم الحرب بمالى ، وقصص من تراث السلف الصالح كتخصيص مؤسسة لتنمية الحوض الشرقي، وافتتاح مقر جديد لرابطة العمد المساعدين بالنعمة، وتصوير أوراق معدودة لتلاميذ الثانوية العريقة بتمبدغه، وعودة التيار الكهربي لأعوينات أزبل بعد يومين من الانقطاع الكامل ، وحرق بعض ماشية الفلان فى أحد الشوارع الرئيسية بمدينة الجينرالات الثلاثة، والحضور الموجه داخل المؤسسة العسكرية. إنه الركود الذى يصل حد الإهمال والتآمر ، والعزوف عن أي فعل من شأنه تحضير الناس للموعد الإنتخابى الذى تقرر أن يكون بين العيدين، بحكم المواعيد الدستورية غير القابلة للتفاوض ،رغم مبادرات البعض العابرة للمنطق والأعراف السياسية المعمول بها فى البلاد.

لم تتجاوب السلطة مع متغيرات الواقع بالمنطقة ، فغاب التعاطى الإيجابى مع الجيل الصاعد بالولاية ؛ كرجل الأعمال الذى هز مقاطعة جكنى بالكامل إسلكو ولد حيده، ورجل الأعمال الشاب سيد الأمين ولد أميم الذى أنتزع تمثيل مقاطعة تمبدغه بجدارة، ولم تحتوى أخلاف قبلية ذات تأثير كبير فى الساحة المحلية (حلف أهل الشيباني) بقيادة شيخ العامة والمرشح السابق للنيابيات عبد الرحمن ولد الشيباني ، ولم تدرس خريطة باسكنو بالكامل؛ حيث أثبت الدكتور حننا ولد سيد المختار وشقيقه الشيخ ولد القل أن تجاوزهما ببلدية أظهر من المستحيل، ولم تستثمر مكانة الوزير السابق الشيخ أحمد ولد سيد أحمد فى الحوض الشرقي ؛ حيث تم سجنه بين أركان مؤسسة دستورية (المحكمة العليا) وهي مؤسسة ذات سمعة مهمة، لكنه أبعد عن منطقة يعتبر أبرز المستثمرين فيها سياسيا، وأكثر فاعليها قدرة على الحشد والتأثير.

وفى الحوض الغربى لاتختلف الصورة كثيرا عما ألفناه فى الحوض الشرقى من ركود ، إذ لم تسجل الولاية غير حراك محدود الزمان والموقع لمدير الأمن السابق الفريق مسغارو ولد سيدي، والغريب أنه نشاط واحد فى ولاية بحجم الحوض الغربى، ولوافد جديد على الساحة السياسية بعد التقاعد من المؤسسة العسكرية ، بينما تقلص دور بعض الوزراء وكبار الموظفين المنحدرين منها، والمنتخبين المقربين من دوائر صنع القرار إلى مجرد عقد اجتماعات أسرية لعدد من الأقارب ببعض منازل نواكشوط بغية الإيحاء للسلطة بوجود اهتمام بالموعد الإنتخابى الأهم بموريتانيا، بينما تعب التجار - وهم قلة- من حمل الثقل الانتخابى فى الولاية ، وجنوح السلطة للإختيار من الهامش، فى معادلة تثير الكثير من الجدل داخل الساحة المحلية. ناهيك عن تجاهل الدور الطلائعى للنائب المقيم بدائرته الإنتخابية من بين كل نواب البرلمان المنحدرين من الداخل (نائب كوبنى فاطمة بنت اعل محمود)، والتى باتت اليوم بحسب مقربين منها تكابد أعباء التكاليف اليومية لناخبيها والعلاج خارج الديار (المغرب وتونس)، بعد الوعكة الصحية التي ألمت بها خلال الأشهر الأخيرة.

أما فى تكانت فقد أنتهت اللعبة فى جانب من الولاية بانتخاب وتوزير من تم انتخابه وتوزيره، ومكنت أطراف أخرى من حصد مؤسسات ذات مأموريات مستقرة دون كثير تضحية أو عناء (اللجنة المستقلة للإنتخابات والمجلس الأعلى للشباب وجهة تكانت) ، وفاز آخرون بعنوان النفوذ والمال (تآزر) ،وأقصي من أقصي من أهل السياسية والحضور داخل الأوساط المهمشة ، وغاب من مجالس السكان بشكل كامل أي اهتمام بالرئيس أو السعي من أجل التمكين لمشروعه ، أو الحديث عنه، أو الحديث باسمه عمليا للفقراء والمحتاجين والجيل الشبابى الباحث عن مكانة بين الناس.

وقد أكملت الأقدار فعلها بالحراك السياسى فى المنطقة وذلك برحيل بعض رموز المجتمع المحلى، ممن كانوا يتصدرون للشأن العام بكل مايمتلكون من وجاهة وتأثير ، ويمسكون خيوط اللعبة بكل يسر وسهولة ، وينحازون للسلطة فى مواسم الانتخاب دون تردد (يسلم ولد سيد المختار وسيد أحمد ولد أج) ، وهو فراغ يصعب تجاوزه فى الأمد القريب.

قد تبدو الصورة مغايرة بالكامل فى ولايتي و لبراكنه وآدرار ؛ فالرجل الممسك بديوان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني زاد من حضوره وتأثيره فى الولاية التي ينتمي إليها، والعاصمة التى عمل فيها خلال السنوات الأخيرة، وكانت زيارات الرئيس الأخيرة للولاية مغذية للشعور بأهمية الجاهزية ودالة على قدرة الحشد والتأثير والتحكم فى القوة الناخبة والمنتخبين على حد سواء ، مع الرضى بالتموقع الحاصل، رغم الطموح المشروع للبعض فى الحضور إلى جانب الرجل، وهو ماتلقفه الرئيس مبكرا، ليتم تعيين اثنين من رموز العملية السياسية بألاك بعد أسبوع واحد من الزيارة، ضمن معادلة حسمت توجه الولاية بالكامل لصالح الرجل وإعادة انتخابه لمأمورية ثانية.

ولم يغب خلف الوزير محمد يحي ولد سعيد عن المشهد ، ولا التحالف الداعم لرئيس البرلمان عن الساحة المحلية بلبراكنه خلال الأشهر الأخيرة.

أما آدرار فقد أستعادت واجهتها السياسية المعهودة بعودة الوزير السابق سيدى محمد ولد محم للعمل الحكومى، فى ظل الدعم المطلق الذى يحظى به الرجل من قبل رموز مجموعته القبلية، وهو ما ترجمه توافد مجمل رموز العشيرة من كل أصقاع البلد لتحديد بوصلة الخيار وتثبيت الرسالة التي أريد لها أن تصل بيسر إلى النظام الحاكم ، وقد وصلت مؤشرات تؤكد بالفعل أن الرئيس ألتقط الرسالة بشكلٍ إيجابي وترجمها إلى فعل سياسى معبر، ولما يغادر مدينة أطار ليلا متوجها إلى الكويت للتعزية فى رحيل الأمير الراحل عليه رحمة الله.

وتحظى ولاية آدرار بمكانة مهمة فى تقدير السلطة الحالية، لذلك تم اختيار المهندس ماء العينين ولد أييه لقيادة حزب الإنصاف الحاكم خلفا للوزير السلطان ولد الطالب أعمر ، مع حضور فى التولفة الوزارية أرتأي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يكون لصالح النساء هذه المرة، فكانت الوزيرة صفية بنت أنتهاه ممثلة لولاية آدرار بحكومة الوزير الأول محمد ولد بلال.

وفى العاصمة الإقتصادية انواذيبو بدأ القصر الرئاسى بترميم جدار الأغلبية الداعمة للرئيس بالولاية الساحلية، بعد صراع الانتخابات البلدية والبرلمانية، وذلك عبر استقبال خص به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى عمدة انواذيبو القاسم ولد بلال ، وهو ما سارع المجلس البلدي إلى الترحيب به.

وتبدو أترارزه فى حيرة من أمرها ، فى ظل إبعاد الجيل الشبابى الذى تصدر الولاية بداية المأمورية من المشهد العام (الناه بنت الشيخ سيديا / محمد ولد أخمدوا / محمد فال ولد يوسف) والدفع بكوكبة جديدة من الوزراء والأطر للواجهة دون حسم للخيارات الكبيرة بالولاية ؛ مع فتور فى التعاطى مع رموز التصوف بالمنطقة ، بحكم التركة الثقيلة للعشرية المنصرمة ، واقتران البعض بها، وتعاطيه اللاحق مع الأحداث بشكل مستفز لدوائر صنع القرار.

كما أن الأحزاب المعارضة التي أنحازت للرجل ومنها حزب التكتل بقيادة المعارض التاريخي أحمد ولد داداه لم تشكل إضافة كبيرة للمشهد العام داخل الأغلبية أو المعارضة المحسوبة على الأغلبية ، بحكم مرض الرجل فى الفترة الأخيرة ، والصراع داخل حزبه ، وتراجع مكانة الحزب فى أوساط الناخبين بولاية أترارزه منذ نهاية حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز .

كما لم يرغب النائب السابق محمد جميل ولد منصور وهو المنضم حديثا لركب الأغلبية فى إرتداء الزي الجهوي ، وحاول الإستمرار فى لعب السياسة من بوابة الوطنية والعلاقات المفتوحة مع الكل ، رغم خسارته للحاضنة الإسلامية التى عاش فيها لعدة عقود وعلى رأس تمثيلها السياسي تربع لأكثر من عشر سنين.

ومع ذلك يظل لدي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني العديد من الخيارات الحاسمة ؛ كإمكانية خلق البديل من بين المحيطين به فى أي لحظة، وتفعيل المنظومة التنفيذية والسياسية، والدفع بحزمة من الإجراءات الشعبوية لتثوير حماس سكان الداخل، وإشراك المهمشين من أبناء المجموعات القبلية ذات الثقل الإنتخابى، والخروج بنتائج تعكس حجم ما أنجز ،وسلامة النهج الذى أرتضاه لنفسه. وقوة خياراته غير التنفيذية ؛ حيث ظل يدير الأمور مع العديد من أطراف المشهد المحلى دون اهتمام بالعناوين والأحلاف والأوزان المصنوعة بقوة الدولة والمال العام.

#زهرة_شنقيط
#تابعونا