انتصاف المأمورية الأولى ...نماذج من الإنجاز وآفاق التطوير

قبل أيام اكتمل النصف الأول من المأمورية الأولى لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وهي سانحة مهمة للتذكير بأهمية هذين الحولين ونصفهما في المسيرة السياسية والتنموية للبلاد، ولنمط الحكامة الذي أدار به الرئيس العلاقة مع الطيفين السياسي والإداري، ومع المجتمع بشكل عام.
إن أبرز ما يمكن التوقف معه في الملف السياسي أن رئيس الجمهورية حول الرئاسة من منصة للتأزيم وإطلاق سهام الغضب على كل متحرك، إلى منبر للقاء والتشاور والتهدئة، وبمعنى من المعاني أن الغضب والتفتيت، وصناعة الأزمات ظل خلال العقد المنصرم يعبر إلى مختلف الأطراف السياسية وتدار بها العلاقة مع الداخل والخارج على حد سواء.

لقد كان هذا التحول جذريا وبالغ الأهمية، وعميق الآثار، فأطراف المشهد السياسي كلهم، وجدوا فرصة استماع غير مألوفة لديهم، عندما استقبلهم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني واستمع لبعضهم لأكثر من ثلاث ساعات دون أن يقاطعه.
كل تلك الأفكار والآراء والمطالب التي عرضها الطيف السياسي قوبلت بالترحيب والنقاش والتذاكر من رئيس الجمهورية، ولعلنا نذكر قبل سنوات، عندما كان رأس النظام السابق يؤكد أن المعارضة تسرق أفكاره، وعندما كان يسخر من سن زعماء المعارضة وصحتهم، والتزاماتهم الدينية ومذاهبهم السياسية.

إن هذا البعد السياسي وللأمانة كان متقدما جدا على بقية مراكز القوى السياسية في الأغلبية، فلم تملك من القدرة على الاستيعاب ولا على تحريك النخب والجماهير ما يوازي ما وفره الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من مناخ قادر على التغيير الإيجابي في القيم والأفكار السياسية السائدة في العلاقة بين الدولة والمواطن وبين الأغلبية والمعارضات.
إن أجواء التهدئة التي وفرتها سياسة رئيس الجمهورية لم يكن لينغص عليها محاولات بعض الأطراف السياسية المعارضة - المأزومة – الهروب من أزماتها الداخلية إلى محاولة افتعال أزمة سياسية وتحريض شعبوي يدقون من أجله ما بأيديهم من نواقيس المزايدة والتنكر للحقائق السياسية والتنموية الناصعة.

وعلى المستوى التنموي، فإن علينا أولا وضع الأمور في سياقاتها المؤثرة، ومن تلك السياقات:

- تركة الدولة المفلسة: التي خلفها النظام السابق، ويعرف الخبراء والمسؤولون في قطاع المالية أن قدرة الدولة الموريتانية عند استلام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للحكم كانت ضئيلة جدا لأقصى درجة.

- حجم الفساد الموجه: الذي ينخر الدولة والمجتمع، والذي تم برعاية واستفادة أطراف مؤثرة في النظام السابق، حيث تعرض البلد لأكبر عملية نهب منظمة في تاريخه، وحسبك أن تتم مصادرة 41 مليار من أشخاص محددين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وهنا يحق التساؤل ماذا عن الأموال المنهوبة الأخرى التي لم يصل إليها التحقيق، أو ما تزال تحت طبقات الإبعاد والتأمين.

- علاقات خارجية متأزمة مع أغلب دول الجوار ومع كثير من المحاور الدولية المؤثرة، حيث كانت دبلوماسية الأزمات والاستعراض هي النموذج الموحد لدى النظام السابق، أما الآن فقد عبرنا إلى دبلوماسية رئاسية فعالة، تنطلق من ركني الاقتصاد والسلام والوساطة الإيجابية بين المتنازعين.

ويضاف إلى هذه الوتيرة، ضعف الإنتاجية الهائلة، فالبرامج التنموية لم تستهدف تحريك الإنسان نحو التنمية، وإنما استهدفت استدرار الدعم الدولي لا أكثر، وإلا فما معنى أن يتراكم الجوع والحاجة إلى الدعم الخارجي في بلد، يملك من وسائل الزراعة وخصوبة الأرض ما يمكن أن يحول بلادنا إلى سلة الغذاء في الغرب الإفريقي؟.

وزيادة على ذلك جاءت أزمة كوفيد لتعطل حركة التواصلات بين العالم، وترغم كل دولة على تدبير شأنها لوحدها ودون أي عون خارجي، حيث أعادت ترسيم الحدود القطرية وإغلاقها بشكل صارم، وقد كان تدخل رئيس الجمهورية في مواجهة هذه الجائحة وطنيا وإنسانيا واستطاع استلال أزمتها وتخفيف غلوائها، وخصوصا على الفقراء والطبقات الهشة.

إن المسار التنموي للبلاد خلال السنتين المنصرمتين حقق إنجازات نوعية يمكن التمثيل لها بما يلي:

- تحديد الرؤية الاقتصادية عبر سياسة المحاور الاقتصادية الكبرى، والتركيز على تثمين الناتج المحلي من خلال رفع الإنتاج الزراعي، وتثمين الثروة الحيوانية، وتطوير قطاع الصيد والمهن البحرية.

- تطوير وتفعيل العلاقة بين القطاعين العام والخاص وإنشاء المجلس الأعلى للاستثمار.

- معالجة أزمة الديون الخارجية، حيث تمكنت بلادنا من الحصول على إعفاء فوائد الديون الكويتية المتراكمة والتي تتجاوز 3 مليارات دولار، إضافة إلى توقيف خدمة الدين الخارجي بالنسبة لفرنسا وإعفاء أكثر من ثلاث مليارات من الدين الصيني.

- استجلاب الاستثمارات والدعم الخارجي.
.
- إنشاء المركزية الوطنية للتموين، وتحديد سياسية الأمن الغذائي في البلاد، مما سيجعل المواد الأساسية في منأى دائم عن المضاربة أو الغلاء أو الاحتكار والندرة.

- قد أثمرت كل هذه الأعمال رغم الظروف المحيطة بها.

- تخفيف آثار الجائحة من خلال التوزيعات والتدخلات الإنسانية التي قامت بها مفوضية الأمن الغذائي ووكالة تآزر وحصول مئات الآلاف على تأمين صحي شامل

- توفير آلاف فرص الشغل الرسمية والتعاقدية في قطاعات وازنة مثل الصحة والتعليم والأمن والجيش وغيرها من بوابات امتصاص البطالة وتحريك وتيرة التشغيل.

- زيادات معتبرة ومهمة في رواتب وعلاوات عمال قطاعي الصحة والتعليم ومضاعفة مخصصات المتقاعدين مائة بالمائة.

- إنشاء عدد كبير من المنشآت التعليمية والصحية المتنوعة ، ومن المنتظر أن يكتمل بناء 200 مدرسة خلال العام الدراسي الحالي.

- إنشاء مجمعات حكومية متعددة، من بنيها مقار جديدة للوزارات والمجالس الجهوية، إضافة إلى درة العمران الموريتاني (مبنى البرلمان).

- اكتمال حفر 100 بئر جديدة، مما يعني سقاية عشرات الآلاف من الأكباد العطشى وتحريك التنمية والاستقرار، فكل قطرة ماء تعني حياة جسد وإبداع روح.

_ كما قام قطاع العمل الاجتماعي بأعمال نوعية في مجالي التكفل بالمرضى وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة وتخصيص مبالغ مالية شهرية لبعضهم وكذا الأشخاص من ذوي الإعاقة عن طريق توزيعات نقدية وغذائية وتخصيص رواتب شهرية للأطفال متعددي الإعاقة.

إن هذه النماذج المستعرضة أعلاه، هي أمثلة للتدليل وليست للحصر، وتظهر بجلاء أن السنتين المنصرمتين كانتا ميدان عمل فارق ومؤثر في تاريخ ومسيرة البلد، خصوصا أنه يتعزز بإطار مهم وهو ترشيد موارد الدولة، ومحاربة الفساد، وذلك بعد إحالة مفتشية الدولة إلى موقعها الطبيعي تابعة لرئاسة الجمهورية، وليس للحكومة.

وما من شك أن هذا الأداء يحتاج إسنادا سياسيا وإعلاميا لم توفره الأغلبية بالحجم الكافي، وهو ما ينبغي أن يكون محورا أساسيا من نقاشات المجلس الوطني للحزب في دورته المرتقبة، والتي يبنغي أن تخرج بتجديد في القيادات يضمن ضخ دماء جديدة في الذراعين السياسية والإعلامية وتحديد وجدارة في الخطاب، وفعالية في الأداء والإنجاز فبذلك يكون الاتحاد الحقيقي من أجل الجمهورية

جمال عبد الجليل
مفتش بوزارة المالية