قوة الإنصاف / عبدالله حرمة الله

".. إنه مغطى بصفائح عتيقة من الزنك تتراقص باستمرار تحت تأثير هبوب الرياح المطرد، محدثة صوتا مزعجا ومثيرا إلى حدٍ يُصم السامع أحيانا، وفي كل جهة من هذا المكان تعشعش أنواع من طيور الدوري، وقد تحمل الرياح في أثناء الليل كميات كبيرة من الرمال، تعرض من ينامون في العراء للدفن أحياء، وتجعلهم يكابدون المصاعب ليبعثوا من مرقدهم"

أبو الأمة الرئيس المختار ولد داداه في وصف سجنه.

أتاحت سيادة القانون وانتظام حياة المؤسسات خلال أسبوع واحد من إرساء حوار هادئ بين مهنيي القضاء والطب، عزز هيبة الجمهورية واحترام الرأي العام، وإنصاف عقود "المؤامرات"، التي استحالت بقوة الحيف مجرد تصفية حسابات خارج الزمن في قلاع الإهانة والموت وغرست "تراثا" من الكراهية والحقد المرتهن لمستقبل الأجيال.

تشبث الإجراءات بالتعاطي مع الملف القضائي(001-2021)، بإحكام السرية على الوضعية الصحية للأشخاص انسجام نبيل مع روح القانون وقيم العدل والانصاف، وسمو فعلي لمقام "الخصم الشريف" المنسجم مع عمومية وتجريد القانون.

يعتبر ترسيم القضاء الموريتاني لاعتماد معايير الأسباب الصحية وتأكيده علنا عبر بيان رسمي توفير ظروف الاعتقال الجيدة والاستجابة السريعة والفعالة من قبل أجهزة الدولة وتقديم الرعاية الطبية رفيعة المستوى، يؤسس لتحول غير مسبوق ينهي أساليب ومسلكيات لا تتناسب مع الحياة اليومية لدولة القانون.

اعتماد توصية التقرير الطبي من طرف القضاء والكشف عن حيثيات المداولات يعكس حسن النية وارتفاع منسوب شفافية التقاضي والتعاطي الإيجابي مع المشهد الإعلامي كأداة لمخاطبة الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية.

أثبتت مآلات التطورات الصحية الأخيرة للملف القضائي خفة خطاب أحد أطراف التقاضي وحماسه في اللجوء إلى بث متواصل لشائعات مصابة بعدم الدقة طالت هيبة القضاء وشرف الطبيب معرضة الخصوصيات المحمية قانونا لتجاذب سخافة وحقد الغوغاء، محاولة في الوقت ذاته تحييد الملف عن مساره القضائي الإجرائي البحت.

بسجون موريتانيا الصامدة في مختلف الحقب السياسية كانت سادية الجلادين تتباهى بإهانة شخصيات سامية من بينهم رؤساء سابقون، لحظة تقديم أطباق الأرز المنزوع الطعم العديم الرائحة المدفون على وقع حركة الرياح برماد الغبار وحصي الرمل؛

بغرب وشرق القارة يسدل ظلام الزنزانات على كرامة رؤساء سابقين بأوضاعهم الصحية الهشة خارج المسار القضائي.

في فرنسا ارتسمت ملامح قسوة القضاء بوصف قطب التحقيق الرئيس السابق ساركوزي بممارسات "الجانح المخضرم"، وكسابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة تتواصل محاكمته بتهمة "الفساد" و "استغلال النفوذ".

غير بعيد منا ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات في جميع أنحاء العالم صورة رئيس الحكومة الجزائري السابق أحمد أويحيى، في عقده السابع، بمراسيم دفن شقيقه مكبل اليدين محاطا بعشرات من رجال الدرك المدججين بالسلاح.

وعلى مستوى عملاق القارة، مثل جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا السابق في سن التاسعة والسبعين، فاقد الوقار والتبجيل، أمام المحكمة و وجهت له ستة عشر تهمة من بينها "الفساد" و " الابتزاز" و "غسيل الأموال".