تكاد صفحتي الفيسبوكية هذه تكمل عامها السادس، ولم أضيع طيلة هذه السنوات المديدة لحظة واحدة في الرد على أي منشور، من أي مدون مشهور أو مغمور أو مستور، لقناعتي الراسخة بحق الناس في التعبير عن آرائهم في حدود المسموح، ضمن هذا الفضاء الحر المفتوح، وأقصى ما أستطيع الرد به على أي منشور مُسفٍّ أو تافه هو حظر صاحبه في الحال، أو تجاهله والترفع عن الأخذ معه بأطراف المقال، ففي الإعراض عن إسفاف السفهاء حكمة وحنكة وراحة من العناء، ولا وقت عندي أصلاً لمراطنة كل ما في الفيسبوك من الغلمان والخشاش والأوباش، والسلاقي العاوية الهراش، وسقط متاع الخلق المتساقط حول الفراش. وقبل سنتين تقريباً نشرت تدوينات صغيرة في صفحتي تعبر عن رأيي الخاص في بعض أحداث ما سمي «الربيع العربي»، وتستبطن قلقاً ذاتياً من أن تنهار بعض أهم الدول العربية، وينهار من ورائها النظام الإقليمي كله، وخاصة بعد ما رأينا من مآسٍ وفتن في بعض دول ذلك الربيع، التي تحولت إلى دول فاشلة غارقة في الدم والدمع والتطرف والعنف، وحرب الكل ضد الكل. وكان ما كتبت يومها في تدوينات من أسطر بالغة الصغر رأياً شخصياً، لا أكثر، يحتمل الصحة والخطأ.
وصفحتي الفيسبوكية ليست طبعاً مقرراً مدرسياً إجبارياً على رواد الموقع، ولا شيء يلزم أحداً بقراءة ما قد أكتب فيها، من حق أو باطل، بحسب ما قد يراه المرء. ولكن ما أن أكملت كتابة أول شذرة خاطفة من تلك الآراء حتى انهالت عليّ فجأة حملة شتم وثلب وذم وتحامل من بعض الغلمان المحسوبين على حزب تواصل، الذين لا أعرف أياً منهم بصفة شخصية، ولا يعرفونني هم أيضاً، بطبيعة الحال. وتفنن بعضهم في نشر صوري مقرونة بأقذع ما يمكن أن يقال من شتم في حق إنسان مسلم، ولم يسألوا أنفسهم، عن سبب كل هذا الثلب والشتم الرخيص الذي أتحفوني فيه بكل ما يعرفون في أنفسهم من نقائص وطبع مشين، فرموني بدائهم وانسلوا على رؤوس الأصابع غير راشدين.
والبارحة نشرتُ تدوينة عن تحامل بعض ما في الفيسبوك من أشباح وأمساخ على صديق ومفكر موريتاني رصين، حيث تفننوا في التحامل عليه، وممارسة الإرهاب الفكري ضده، وحمّلوا خاطرة كتبها في تدوينة عابرة بأكثر مما تحتمل، وفي الحال ظهر خبر ساخر مقرون بصورتي في موقع إلكتروني قبلي- حزبي معروف بكذبه وشغبه وعواره، وتصدر أسماء القبائل لأخباره، تحدث فيه أحد مجّان الغلمان هو -حسب ما سمعتُ- من يغذيه ويتولى نشره وكبره، عن اكتشاف "عالم جديد" في القصر! وأنه «ناشط» من أنصار أحد طغاة الأرض سقط مع الساقطين في مخاضات «الربيع العربي» (والمفارقة أن من يعنيه هو الصحفي الموريتاني الوحيد الذي كتب مقالات في صحافة بلد ذلك الطاغية في عز الثورة عليه لمناصرة شعبه الثائر)! وقد سجل هذا "العالم الجديد" -يقول الخبر في موقع التسلية والجعجعة القبلية- سابقة هي الأولى من نوعها بكتابته مؤيداً التهجم على أحد كبار علماء البلد! جعلنا البارئ في حفظه، وبه أعوذ من شر نفسي، تصوروا.. فأنا المقصود بكل هذا الكلام طبعاً. وهنا ما أعتقد أنه يحتاج مني إلى توضيح، مجرد توضيح، وليس رداً على كلام ذلك الموقع الكذاب السبّاب العيّاب، فأنا ما زلت عند رأيي في الإعراض وعدم الرد على السوقة والغوغاء المتردّين في تلك الجوقة، فأهل تواصل رغم اختلافي معهم، لم يتعرض لي منهم حتى الآن من يستحق الرد، ولستُ من الخفة أيضاً لآخذهم بجريرة كليمات ركيكة يكتبها غلمان من أشباح الإنترنت وأمساخها وأوساخها.
ونحن مأمورون بالقصد والعدل والإحسان في القول والفعل. فما كتبتُه ليس أبداً دفاعاً عن التهجم على ذلك العالم الجليل، حاشى لله، وليس الغلمان أقرب إليه مني، ولا هم في وارد الدفاع عنه أصلاً، فهم لا يزيدون عادة على تعريضه للنقد والحقد والحسد، وعندما يجد الجد، ويتحامل عليه المتحاملون يتسللون هم لواذاً ويتخاذلون عن الذب عنه حتى في صفحاتهم الرديئة ومواقعهم الدنيئة. وقبل ثلاث سنوات، وأهل الفيسبوك يشهدون، شن أرهاط حركة شرائحية عنصرية على ذلك العالم حملة شتم وثلب شعواء مسعورة مشهورة، ونكّسوا صوره وكتبوا عنه ما لا يليق من صغائر الكلام، فلم نرَ أي واحد من الغلمان المحسوبين على تواصل يرد عليهم، ولو بالطريقة الوحيدة التي يتقنونها وهي التوسّل والتسوّل! أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ.. ربداء تجفل من صفير الصافر.. ولم يرد عنه في الفيسبوك غيري، شخصياً، انتصاراً لعالم كبير، بيني وبينه من المودة والأرحام ما تقصر دون بلوغه مَلكات الكلام.
وقد لقيت في ردودي تلك عناء وعنتاً وأنا أجادل وأساجل عنه أطفال حركة متطرفة لا خلاق لهم، نكّسوا صوري وشتموني واتهموني بكل ما يليق بهم هم من نقائص وأوصاف، ورعونة وخفة وعدم إنصاف. فمن يدافع إذن عن ذلك العالم، وليت حقاً أنّا بقدرما نكن له من توقير وتقدير نختصم، وليت أنّا بقدر الحب نقتسم. وحين ارتقى أحد مجّانهم وغلمانهم مرتقى صعباً، ومد يده الشلاّء الشوهاء على الشيخ الإمام، أمام الأنام، لم نسمع لهم صائحاً ولا نابحاً، ولا حتى نائحاً، وكان حظهم من كل تلك الواقعة الفادحة إظهار الوجوم ولزوم الإطراق وتصنّع الخمول، والسكوت في مثل هذه المواقف علامة القبول! فلم يقم لنصرته سوى أبناء العشير، ونصر ربنا سبحانه وتعالى، ونعم المولي ونعم النصير.
والفرق بينهم وبين الصديق المفكر الموريتاني الذي دوّنتُ عنه البارحة القليل مما أكنّه له من تقدير وتبجيل، هو أنه يكتب ما قد نتفق معه أو نختلف، ولكن بأسلوب رصين متين رزين، ما شاء الله، دون إسفاف أو إرجاف، في حين أنهم هم لا يتقنون سوى الشتم، ولوْك محارم اللسان من الكلِم، ويعتقدون أن قلة الأدب تغني عن قلة الحجة، وأنهم في شططهم ولغطهم وغلطهم وسبابهم للمسلمين على المحجّة! وأن الثلب والهجاء المقذع، والكلام الوضيع الرقيع غير المقنع، الذي لا يتقنون غيره، يصلح سلاح إرهاب فكري فعالاً يمنع ويردع أي مخلوق من الكتابة عما لا يريدون. ومشكلتهم أنهم يظنون أن ألسنة الخلق يمكن الحجر عليها في عصر الفضاءات المفتوحة، وأن معنى السياسة قلة الأدب وعدم الكياسة، وأن كل الضربات من فوق ومن تحت الحزام مسموحة! ولذلك نفـّـروا الناس من ذلك الحزب الذي يزعمون الانتماء إليه، وفوق ذلك محّضوا الولاء والمودة لكل ناعق أو ناهق من أصحاب النزعات العنصرية والشرائحية والإلحادية، وهذا قليل من كثير مما يمكن قوله عمن يوادّون، جهاراً نهاراً، كل من حاد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
ومتى كان أولئك الغلمان أصلاً ممن يدافع عن العلم والعلماء؟ وهل في بلادنا عالم جليل لم تنله سموم وسهام ألسنتهم الحداد المندلقة في المجاري كألسنة السحالي؟ هل نسي الأخ صاحب الموقع شتمه ورهطه للمشايخ الأعلام أئمة الإسلام؟ هل نسي حملات الغلمان الرخيصة ضد الشيخ حمداً والشيخ ولد حبيب الرحمن والشيخ إسلمو والشيخ ولد النيني والشيخ ولد أهل داود.. الخ، وقبل هؤلاء الشيخان بداه وعدود، رحمهما الله. وهل نسي تشفّيهم في مقتل شهيد المحراب الشيخ البوطي، رحمه الله، ولوكهم لحمه ميتاً. وما نقموا من كل هؤلاء العلماء الأجلاء سوى أن يقولوا ربنا الله، وأنهم ليسوا من المعدودين في حزبهم وصحبهم! لا أكثر. لقد كتبتُ هنا في صفحتي قبل أربع سنوات مقالاً بعنوان: «لماذا أتحامل على تواصل؟» بيّنتُ فيه، بما لا مزيد عليه، أنه لا مشكلة عندي مع ذلك الحزب، ولا مع أي حزب آخر.
نعمل كلنا في خدمة وطننا فيما نتفق فيه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما قد نختلف فيه. والمواقع الموريتانية مفتوحة والكتابة فيها لا توعز أمياً، ومع ذلك لم أكتب يوماً مقالاً ضد ذلك الحزب، ولا ضد غيره، وكل ما أكتب شذرات في صفحتي في هذا الموقع المجاني المسمى الفيسبوك، أبدي فيها رأياً أو أسجل خاطرة عابرة عما قد يكون لحظتها هو مدار الأحداث والحديث من أمور وقضايا وحركات وقوى فاعلة في الساحتين الوطنية والعربية، ولم أتعرض يوماً بالنقد لمعيّن باسمه أو رسمه، لأن في التعميم والتلميح وعدم التصريح مندوحة، عند إبداء الرأي أو إسداء النصيحة. ولم أكلف نفسي يوماً إرسال أية شذرة مما أكتب إلى صحيفة أو موقع. وحتى حين شن عليّ الغلمان المحسوبون على ذلك الحزب حملة رخيصة من الشتم والثلب دون مبرر، أعرضت وكظمت الغيظ احتساباً وترفعاً وطمعاً فيما عند الله من خير. لا غير.
وقد أشرت يومها في ذلك المقال، الذي كان أيضاً توضيحاً ورداً على اتهامات مجانية من أحد الغِمار المحسوبين على تواصل، إلى أن هذا الحزب سيربح كثيراً لو خسر قليلاً من الخطاب الهجائي الغوغائي الذي يشيعه بعض الغلمان المحسوبين عليه، ممن لا يعرفون كوعهم من بوعهم، ولا يتقنون سوى السباب، ولا يعجمون عود فن الخطاب، وللأسف مرَدوا على اجترار رذائل اللسان، وقلة الإحسان، وأكل الصدقات وقذف المحصنات، والسباحة في سرابات الوساوس والهلاوس، باسم التحزب الأجرب، ولذلك فهم عبء أخلاقي وديني وسياسي على ذلك الحزب، وسيُحسن صنعاً لو تخفف وتخلص منهم، أو على الأقل بدأ بوضع تأهيلهم وتربيتهم هم في مشروعه الدعوي، مشكوراً مأجوراً، إن شاء الله.
الحسين ولد احريمو