22 يونيو .. حكاية مسار مربك لكل المشاركين فيه (*)

فى الثانى والعشرين من يونيو 2019 توجه الآلاف من أبناء البلد إلى صناديق الإقتراع من أجل اختيار رئيس جديد للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

كانت كل المعطيات المتوفرة لدينا تشير إلى حسم المعركة الإنتخابية لصالح المرشح القادم من دهاليز السلطة والمدعوم بقوة من المؤسسة العسكرية والأمنية ، وشيوخ القبائل ، ونواب البرلمان ، والعمد ، وبعض القوى الشبابية ؛ الفريق محمد ولد الشيخ الغزوانى.

لكن كنا على الضفة الأخرى قد حسمنا أمرنا لصالح مرشح ندرك كل الإدراك أنه لن يخوض جولة الإعادة، ولن يصل للسلطة بكل تأكيد، وعلى المستوى الشخصى جد مقتنع بأنه لن يفى بما تعهد به لصالح الحزب الذى وقع معه قبل الحملة الإنتخابية. لكن كانت كل المعطيات تملى على التيار الإسلامى وبعض الذين أكتووا بالعشرية من نشطاء المجتمع المدنى والقوى الحية، أن يقفوا فى وجه مرشح مدعوم بقوة من الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، ومحاط بأركان نظامه، وداعموه ممن أكدوا أكثر من مرة على ضرورة تصفية الطيف المعارض وسحقه، رغم الخطاب الجميل الذى سطره فاتح مارس، والوعد الذى قطعه على نفسه بأن يكون رئيسا لكل أبناء البلد دون تمييز، أو غبن، أو استهداف.

قبل التصويت بليلتين سأل أحد رموز حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض رفيقى وأخي محمد يحي ولد أبيه " كيف تتوقع حظوظنا فى الانتخابات؟" وكان المرشح سيدى محمد ولد بوبكر بين الحضور فجرا بمقر الحزب . فأجابه بكل برودة أعصاب " لاحظ لكم فى الفوز .. 17% أقصى ما قد تصلون إليه"...

كانت تلك الواقعية تحكم سيرنا جميعا، لكن كان الحماس كبيرا كذلك، لإظهار قوة التحالف الداعم للرجل من جهة، بحكم أننا عموده الفقرى، ولتقليل الشعور بنشوة الإنتصار فى الطرف الآخر، ومنع المرشح محمد ولد الشيخ الغزوانى من اكتساح الساحة بشكل كبير، مع أخذ مسافة مقبولة من القوى السياسية المعارضة التى تعاملت بخفة وغرور مع الحزب ورموزه، وأختارت أن تدفع بمرشحها الموحد، والذى سمته مرشح التغيير.

كانت الحملة فرصة لخوض معركة انتخابية جدية، والتواصل مع القواعد الشعبية، وكسب مزيد من الخبرة والدربة، والتعامل مع التحديات بروح جماعية، مع الشعور بمرارة الدعوة لمفضول، والوقوف فى وجه شخص لالرأي سطره، أو لموقف سجل عليه، أو لتجربة مريرة معه، ولكن لأن شخصا آخر أقترن به، أو لأن مؤسسة عريقة زج بها فى أتون السياسة والصراع على السلطة، وباتت النظرة لجل أفرادها أو قل كل قادتها سلبية، جراء التحريض والتجييش، مع ما جلبته خيبة حراك الرحيل من صورة سلبية، ومواقف حدية من كل الممسكين بالسلطة، أو المشاركين فى تأمين أركان نظام كان مجمل الطيف المعارض يضغط من أجل رحيله بالانتخاب أو الإنقلاب أو الثورة أو استجداء الرحيل ...

مع ساعات المساء الأولى كانت الصورة أكثر من واضحة لكل المتابعين، وكان المرشح المدعوم من الأغلبية محمد ولد الشيخ الغزوانى يحصد المزيد من أصوات الناخبين، بفارق كبير عن كل مطارديه.

حسمت المعركة، وأسدل الستار على السباق الرئاسى، وخاب أملنا فى فرض التغيير الذى حلمت به قوى سياسية كثيرة داخل الشارع، والتيار الإسلامي فى مقدمتها.

لكن بعد سنتين من فوز الرجل، وتسييره للبلد، واختلاف الرؤي، وتضارب المصالح، واختلاط حابل معارضيه بنابل داعميه، تغييرت أشياء كثيرة داخل البلد ، وأعادت فئام من الناس تموقعها خلف الرئيس المنتخب وأختار آخرون الوقوف فى وجهه.

وأظهرت الأيام لكل الذين دعموه تشبثا بالنهج الذى أرساه سلفه محمد ولد عبد العزيز ضروروة تغيير البوصلة فى اتجاه آخر، أو البحث عن مبرر آخر للإستمرار فى الركب الذى ودع آخر شعارات تلك المرحلة، وأحرق مراكبه القديمة، ليستقر به النوى فى كوكب آخر يشتم حراسه عشرية الرئيس السابق وماخطته يداه من منجز خلال سنين حكمه ، أو سطره أعوانه من زخرف القول لإقناع جموع الشعب بقيمة ما يقولون أنه أنجز له.

كما أن كل الذين عارضوه لعلاقته بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ، وروجوا لفكرة الواجهة السياسية لحاكم خلف الستار وآخر منتخب، يلزمهم الآن الإعتذار للرجل الذي ظلموه كثيرا، وخاضوا حملتهم الدعائية بالسخرية منه، وتصويره كعامل أجرة لدى صاحب مشروع متنفذ، وللجمهور الذي سفهوا أحلامه، واتهموه بتصديق الأكاذيب والإقتناع بوجود فرق بين الرجلين أو خلاف ممكن فى الرؤى والأجندة والتصور .

(*) سيد أحمد ولد باب/ مدير زهرة شنقيط