من هنا نعمل.. / فاطمة حنن

أثبتت التجربة أن عظمة الدول ثمرة من ثمار نضج نخبها، وقوة وصبر ومثابرة شعبها.
ومتى كانت الرغبة التي يصاحبها العمل الجاد طامحة إلى تغيير العقليات، وترتيب الأولويات، وإنجاح السياسات، غلبت أساليب الابتكار والتخطيط والتكامل، المؤدية بالضرورة إلى الاكتفاء الذاتي.

وقد أصبح الكثير من دول العالم الآن يعانون من مشاكل اقتصادية مزمنة، و السبب هو عدم نجاح هذه الدول في تحقيق اكتفائها الذاتي، على أن المرد الأساسي لمجمل ذلك هو زيادة حجم النفقات على شراء الأدوية والمواد الغذائية، كما هو الحال اليوم في بلدنا، لذالك يعتبر الاكتفاء الذاتي من أهم خطوات الاستقلالية عن العالم الخارجي، فالكثير من دول العالم أصبحت اليوم تسعى إلى تحقيق كافة احتياجاتها من المواد الغذائية و الطبية و غيرها من المواد ذات الأهمية في حياة الإنسان.

بينما نحن مازلنا نتهاوش، و نبحث عن من نلقي عليه اللوم، والأولى أن تَدَعونا من هذه التصورات المتخلفة، وتكفوا ألسنتكم عن النقد غير البناء، وتجتهدون لنا -إن أردتم- فى عرض حلول من أجل اقتراحها على الجهات المعنية بدل التهرب و محاولة تحميل المسؤولية للغير، والواقع أننا جالسين ولا نساعد في شيء، وإن تعلق الأمر برمي النفايات في سلة المهملات التي أمامنا.
يحسن أن تَدَعونا من السعي دائما في إحباط الغير، و التظاهر بأننا الأفضل دون أن نقدم شيئا يذكر.

وتدعونا من التشاؤم، فهيا بنا جميعا لنجعل من وطننا وطن الأحلام الذي نريده، فكم مرة أصبح الحلم حقيقة.

دعونا نتوكل على الله ونعمل بالأسباب لإيجاد كل ما نحتاجه لصنع اكتفاء ذاتي لأنفسنا حتى لو كان نسبيا.

ولعلكم تدركون معى أن للإكتفاء الذاتي اسسا و قواعدَ كغيره من الأهداف التى يرسمها المخلصون الغيورون لتنمية بلدانهم والسعي بها نحو مصاف الأمم المتقدمة، وإن كان من المناسب هنا ترك المجال لأهل المجال أولا،

فلنا أن نراعي التنويع، وهو قدرة الدولة على توزيع مصادر الدخل من القطاعات الأكثر إنتاجا نحو القطاعات الأقل إنتاجا، من أجل دعم هذه الأخيرة ومساعدتها على التحسين في أدائها للمساهمة في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي والرفاه المشترك.

ثم أهمية إتقان العمل، وينسحب الحال على كل موظف للدولة أو لنفسه، بالجد وتحمل كامل المسؤولية من أجل أن لا يتضرر الآخرون فالمدير عليه أن يتفرغ لإدارة عمله و الإشراف على المصالح التابعة لقطاعه، ومتابعة تسييرها، والطبيب عليه أن يعطي وقته لمريضه ويجعله يحس بأنه مهتم به، و المهندس في ورشته عليه بناء وإعداد كل شيء بالطريقة الصحيحة و بالمواد اللازمة دون غش أو خداع، إن كان منزلا كي لا يسقط يوما على أهله أو كان جسرا، والمزارع وهو الأهم الآن عمليا، عليه إتقان مهمته والتحضير الجيد دائما للإنتاج وتحصيل الثمر.. وجودة الحصاد، وهلم جرا.
وفي هذا المسار يكون الانسجام مع هدينا وموروثنا الحضاري، قال رسول اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلا أنْ يُتْقِنَه).

إننى أرفع صوتى للجميع في وطننا الحبيبب بأن نعمل بعزيمة وإخلاص، كي نسهم في بناء وطننا، فليس أحدنا أجدر به من غيره -انتماء ومصيرا- بل هو وطن الجميع، والكل مطالب بلعب دوره في عملية التغيير والتقدم والتنمية والإصلاح، من أجل أن نحقق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي المنشود، ونعمل على زيادة الوعي في القضايا الاجتماعية و السياسية و القانونية، جاعلين من بلدنا -الغني بثرواته الطبيعية وإمكاناته الخاصة- بلدا ينتج سلعه الاستهلاكية، ويستثمر في بيئته الخصبة، وهو ما يعزز السيادة، وينمي الإنتاج الوطني، ويؤمن الاقتصاد المحلي، خصوصا في ظل وباء كوفيد 19، وما خلف من آثار سلبية وقاسية على الدول والشعوب.

وإن السيادة والإعمار لأي بلد، إنما هو للإنسان الذي متى أطلق طاقاته المعطلة، فإنه يُفعًِل الواقع ويحرك الركود بإبداعه وإصراره، وعلمه وعمله وثقته، لا بالشعارات والاختلاف والتنافر، ولننتج أولا بدل أن نستورد، وبهذا يتحقق لوطننا مستوى الإشباع الكمي والنوعي، الذي يلبي احتياجات مواطنينا الاستهلاكية والاستثمارية، وهذا سائغ ومُتَأَتًِِ، متى كان الوعي المشفوع بالإرادة.

فاطمة حنن / طالبة طب سنة ثالثة في المغرب