طب العيون بموريتانيا .. ملاذ الفقراء المعدمين (تقرير)

وسط مقاطعة تفرغ زينة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تهفو قلوب الآلاف من طالبي اعادة النور للعيون الذابلة بموريتانيا إلي المصحة المتواضعة داخل الفضاء الممتدة من "سوق النساء" شرقا إلي أطراف مقاطعة لكصر، حيث اختار رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو وبعض شركائه قبل سنوات تأسيس أول مركز لأمراض العيون بموريتانيا.

 

تبلغ ميزانية المركز الأكبر من نوعه في البلاد قرابة 350 مليون أوقية أي ما يعادل (1،2 مليون دولار) بتمويل من عدد من رجال الأعمال الموريتانيين، وبعض الشركاء الأجانب، وتتولي إدارته نخبة من الأطباء العاملين في المجال، مع طاقم إداري مكلف بتسيير المرفق الذي يستقبل يوميا أكثر من 500 مريض غالبيتهم من الشيوخ.

 

عند البوابة الشمالية للمركز يقابلك شيخ تجاوز الخمسين من عمره، نحيف الجسم ، هادئ الطباع، وقور أثناء التعامل، كل مهامه هي تسجيل القادمين للمركز، واعطاء الإشارة للأطباء داخل البناية من أجل البدء في معالجة الوافدين، يساعده عشرة أشخاص أو يزيدون جلهم رجال، وداخل قاعة كبيرة يستمع الجميع إلي الأسماء وهي ينادي بها مكلف بترتيل أرقام القادمين حسب التاريخ بغض النظر عن السن والجنس والجهة والحالة المالية للمريض. بينما يقف عن البوابات الرئيسة الثلاثة نخبة من حراس المركز، وهم يلجمون رغبة الجميع في العلاج السريع بواقعية العاملين في المنشأة، وأدبيات المركز الذي يفرض القائمون عليه نظاما صارما تختلط فيه رحمة الطبيب بقساوة الإداري المكلف بتسيير المنشأة وفرض القانون. ومجانية الخدمة لكل رواده بتعقيدات الإجراءات الضرورية قبل مغادرة المريض إلي العيادة الداخلية حيث تجري نخبة من الأخصائيين أكثر من 95% من عمليات العيون المقامة سنويا في موريتانيا.

 

خلال الأشهر الثلاثة الأولي من سنة 2015 تمكن الطاقم الصحي العامل بالمؤسسة الخيرية الواقعة في قلب العاصمة نواكشوط من اجراء 8617 استشارة، كانت أغلبها في شهر مارس ، حيث ارتفعت وتيرة المراجعين للمركز الصحي إلي أعلي درجاتها في مارس المنصرم، بمعدل 3346 استشارة شهريا، بينما كانت الحصيلة يناير 2015 في حدود 2600 استشارة وهو نفس العدد تقريبا في شهر فبراير.

 

لكن طيلة الأشهر الثلاثة الأولي من السنة لم تسجل أي استشارة متعلقة بالأطفال، بحكم ظهور أمراض العيون داخل المدارس في الفصل الأخير من السنة، وارتفاع نسبة المراجعين للمركز من الشيوخ الذين تجاوزا عتبة الخمسين سنة في الغالب.

 

وتظهر معطيات حصلت عليها زهرة شنقيط اجراء 318 استشارة لدي المخدر خلال الشهور الثلاثة الأولي، وهو أول اجراء يقوم به المريض قبل برمجة العملية من قبل الجراحين العاملين في المركز الصحي.

 

بينما اضطر ستة من المراجعين للمركز لإجراء فحص بالأشعة من أجل اكتشاف الوضعية التي يمرون بها، في ظل شكوك بشأن امكانية اجراء عمليات جراحية للمراجعين، أو تمديد الفترة الزمنية المخصصة لاستعمال الأدوية الأولية في انتظار اقتناع الطبيب أو المخدر بجدوي العملية أو لزومها.

 

بينما لجأ 33 شخص خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلي اجراء فحوص تحاليل الدم من أجل اكمال ملفاتهم المقدمة للأخصائيين، بينما لم يستفد أي مراجع للمركز من النظارات طيلة الأشهر الثلاثة الماضية عكس المعمول به سابقا.

 

ولعل أبرز نشاط للمركز هو اجراء الطاقم الصحي المكون من عدة أخصائيين وأطباء ومساعدين لأكثر من 1300 عملية جراحية خلال ثلاثة أشهر، لم تسجل فيها عملية واحدة غير ناجحة ولم تدفع عن أي منها 100 أوقية، وسط حالة من الارتياح بين الأهالي ممن شملتهم تلك التدخلات الطبية المجانية، والمخصصة في الغالب للأشخاص المتقدمين في السن من ذوي الدخل المحدود.

 

ويقول أحد العاملين في المركز لموقع زهرة شنقيط إن العملية الواحدة تكلف في العيادات الخاصة في الغالب مابين 45 ألف أوقية إلي 95 ألف أوقية، بينما يتم اجرائها في مركز طب العيون التابعة لخيرية بوعماتو بالمجان.

 

وقد قام الطاقم الصحي المشرف علي العمل داخل المؤسسة باجراء أكثر من خمسة آلاف فحص للعيون خلال الأشهر الأولي من 2015، بينما يتوقع أن يبلغ العمل ذروته في شهري مايو ويونيو 2015، حيث تستقبل العاصمة نواكشوط أفواج المصابين بمرض العمى القادمين من داخل البلاد أو الأطفال المتضررين من أجواء الدراسة في المدارس الهشة داخل أحياء العاصمة نواكشوط أو متابعة المسلسلات التلفزيونية أثناء أوقات الحر.