هل يخطط "ماكرون" لابتزاز رؤساء دول الساحل؟

بعد خروجه المذل من قمة الناتو الأخيرة، وبعد الإهانة التى تعرض لها من الرئيس التركى رجب طيب أوردغان، والرئيس الأمريكى اترامب، قرر الرئيس الفرنسى ماكرون استعراض عضلاته بالساحل، موجها دعوة غير دبلوماسية لرؤساء المنظومة من أجل الوصول إلى باريس فى السادس من عشر دجمبر الجارى، دون تشاور مسبق أو ترتيبات للاجتماع المثير للجدل بفعل توقيته وأجندته.


 

الاجتماع المفاجئ حدد الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون جدول أعماله بنقطة وحيدة " الاستماع لرأي القادة الخمسة فى الدعوات المطالبة بسحب القوات الفرنسية من المنطقة".

 

ويحاول الرئيس الفرنسى المصدوم من تنامى العنف فى المنطقة، أن يجد حلا للفشل الذى منيت به القوات الفرنسية فى تدخلها العسكرى المباشر عبر العجز الواضح لقوة برخان عن تأمين مقاتليها، أو نشر السلم والهدوء بمالى، أو دعم الانتقال السياسى فى بوركينا فاسو، وسط مخاوف شعبية من تأجيج التواجد العسكرى الفرنسى فى المنطقة للعنف فى دول أخرى كانت بعيدة كل البعد عن الفشل الأمنى الذى تمر به الدولة المالية، رغم العتاد والتمويل الموجه للقوة الفرنسية والإفريقية خلال السنوات الأخيرة.

 

وكانت دول كموريتانيا قد رفضت منذ التدخل العسكرى الفرنسى المباشر بمالى 2011 الدخول إلى مالى، أو القتال تحت الراية الفرنسية فى صحراء أزواد، وظل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز فى خلاف دائم وخصومة مع الفرنسيين، بفعل رفضه للضغوط التى مارستها الحكومة الاشتراكية من أجل الدفع بالقوات المسلحة الموريتانية إلى جحيم كيدال أو غاو.

 

وتحولت أحلام الماليين المهللين للتدخل الفرنسى سنة 2011 إلى سراب، وتراجع اتحاد العلماء والأئمة الماليين عن مواقفه الداعمة للتدخل الفرنسى، بعدما حاول النيل من مكانة العلماء الموريتانيين الذين رفضوا فكرة التدخل الغربى فى مالى، معتبرين أنها لن تجلب أمنا للشعب المالى، وأن هدفها الأول التحكم فى مصير العملية السياسية بالقارة ونهب خيراتها.

 

كما تحولت حركة المجتمع المدنى فى مالى من ظهير للفرنسيين إلى حراك مناهض للوجود الفرنسى، بل والإفريقي، وتحولت ساحات باماكو إلى ميدان للتظاهر، ضد السياسات الفرنسية الفاشلة فى المنطقة، والعجز الذى أظهرته القوات الفرنسية المقاتلة فى الشمال، والحصاد المر للعملية، بعدما تحول الجيش المالى إلى وقود للمعركة دون سلاح، وانزلقت البلاد إلى حرب أهلية بالغة الخطورة.

 

ويعتقد البعض أن السياسة الفرنسية الفاشلة فى ليبيا فاقمت من أزمة دول الساحل، وأن إذكاء الفرنسيين ودول أخرى للصراع الدائر بين الأشقاء، ومساعيها لتقويض الحكومة المعترف بها دوليا، كلها أمورت ساهمت فى نشر العنف بالمنطقة، ومنح الجماعات المسلحة فرصة للتحرك بكل حرية، وتأمين الغطاء السياسى لتجارة السلاح واقتناء الأسلحة الثقيلة والخفيفة، فى منطقة باتت الدولة فيها عاجزة عن تأمين قطاع واسع من أراضيها، بفعل المطامع الغربية فى الثروة والمراهقة السياسية لبعض اللاعبين فيها.

 

وتحاول فرنسا التلويح بورقة الانسحاب المفاجئ من مالى من أجل الضغط على دول الساحل، لتقديم المزيد من الدعم والغطاء لقواتها المقاتلة فى المنطقة، وهو أمر ستكون نتائجه كارثية لجيوش لم تجد من الدعم مايكفى بفعل بخل المنظومة الدولية، رغم الإلحاح فى الطلب، وتقديم خطط تنموية مقنعة، والإعراب عن استعدادها الكامل لتحمل المواجهة مع المسلحين، لكن تحت غطاء المنظومة الدولية، وبعد توفير المال والسلاح، وهو أمر ظل بعيد المنال، بفعل احجام الدول التى أعلنت تبرعها عن توفير المال، واستغلال الأمر فى الدعاية السياسية فقط، دون تحويله إلى خطط واقعية، تنفع الجيوش المقاتلة، وتمدها بالقدرة على مواجهة تحدى الإرهاب العابر للحدود.

 

زهرة شنقيط/ نواكشوط