شاب خطاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز في القمة العربية عدة أخطاء، بعضها مقصود من خلال دس بعض المصطلحات ذات المرجعية الغربية في الخطاب عن سبق اصرار وترصد، وبعضها يشكل تقزيما للرئيس ومكانته بين القادة من خلال شغله بمدح الرؤساء والأمراء، وكأنه متسول يجوب شوارع الكويت أو السعودية لجمع قوت يومه، والآخر يتعلق بالتعريض بملك السعودية الحالي سلمان ابن عبد العزيز، والتقليل من جهود دولة ذات مصداقية كبيرة.
ولعل أبرز الأخطاء التي وردت في الخطاب، واحرجت الجمهور الموريتاني المتابع له، هو شغل الرئيس بمدح أمير الكويت والعاهل السعودي الراحل، حيث كان من المفترض أن يترك ولد عبد العزيز – أو كاتبوا خطابه- مدح الأمير لغيره، أو تعداد مشاريع القروض الممنوحة لفقراء العالم لوزراء الاقتصاد بتلك الدول، أو الخارجية الكويتية باعتبارها الجهة المعنية بالترويج للنظام الحاكم في الكويت، بدل الحط من قيمة رئيس دولة كان ينظر إليه الجميع قبل أسابيع كعنوان للقارة السمراء، قبل أن يحوله أبرز مستشاريه إلي عامل متواضع في شركة تسويق أو مؤسسة علاقات عامة تابعة لبنوك التمويل الكويتية والسعودية دون وجه حق.
أما الخطأ الآخر، فهو الانشغال بشكر الملك السعودي الراحل – وهو أمر محمود- ، دون الإشارة إلي الملك الجديد سلمان ابن عبد العزيز – وهو أمر غير مفهوم- ، رغم الحساسية الكبيرة بين الفريقين الحاكم حاليا في السعودية، والمعزول بالقوة عن المشهد السياسي فيها، وقد يفهم شكر الرئيس لملك رحل عن الدنيا وقدم الكثير لأهلها، ولكن تجاهله للملك الجديد ودوره، أو الترحيب به في القمة وقد شكر سلفه، أو التأكيد على أن المشاريع التي كانت مبرر امتداح المغفور له الملك عبد الله ،ستتواصل في ظل الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، مجاملة له، وخرجا من دائرة الصراع بين أفراد الأسرة المالكة.
وقد كان من الممكن تضمين الخطاب – لو وجد من يحرره بعقلانية- مدحا للملك الراحل أو تذكيرا بحكمته، بدل شكره – وقد غادر- باعطائه الأوامر لمعاونيه من أجل زيادة رأس مال بعض بنوكه.
ولعل كاتب الخطاب أو كتابه نسو وهم يستعرضون الجهود المبذولة لتعزيز الشرعية في اليمن، ذكر العربية السعودية في الخطاب، والتأكيد علي رفض أي مساس بأمنها أو اعتداء علي حوزتها الترابية، بدل التنكر لجميلها، وبناء جهودها في اليمن للمجهول (نؤكد وقوفنا إلى جانب الجهود المبذولة من أجل استعادة الشرعية في اليمن) في تصرف يدرك اغلب العارفين بلغة العرب أن أصحابه يصطحبون خلفيتهم المناوئة للمملكة العربية السعودية وحراكها من أجل العالم الإسلامي وهم يخطون خطاب رئيس يفترض أنه من أهم حلفائها الآن.
أما التدليس الثالث فهو محاولة الخلط في خطاب الرئيس بين المجموعات الإرهابية، والمنتمين لبعض الحركات السياسية الإسلامية أو ماسماه كاتب الخطاب أو كتابه بالحركات "شبه السياسية"، ضمن مسار يناقض بداية الخطاب، حيث يظهر الرئيس كحكيم يحاور الإرهابيين من اجل اقناعهم بالعدول عن الأفكار المتطرفة، وينشر التنمية بغية نشر السلم، بينما يظهر في آخر الخطاب كمتحفز لتصنيف الكل ضمن خانة الإرهاب، متهما الحركات السياسية بأنها وجه آخر من أوجه الإرهاب، ضمن معادلة يخلط صاحبها بين تفكير رجل الدولة، والناشط القومي المتحفز لقتال وتكفير مخالفيه.
ولعل الرئيس العائد للتو من زيارة الداخل، والمرهق بفعل الأسفار، لم يجد الوقت الكافي لتفحص الخطاب الذي ألقي اليه، واكتشاف نقاط ضعفه وهشاشة أفكاره، وهو أمر كان يمكن أن يتجنبه لو قيض له أن راجعه أكثر من شخص، قبل أن يقرأه في القمة أمام حشد من زعماء العالم، وداخل اجتماع يحظي بأكبر تغطية ممكنة في الشرق الأوسط.
زهرة شنقيط