زهرة شنقيط تستعرض أبرز رسائل الحكومة الجديدة (*)

وأخيرا خرج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى بتولفة وزارية بعد أسبوع من تنصيبه رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وسط جنوح إلى معيار الكفاءة مع حضور معايير أخرى كالجهة والفئة والعرق فى التشكلة التى يقودها الوزير الأول إسماعيل ولد الشيخ سيديا.


 

ورغم أن الرجل عمل تحت الضغط خلال الأيام الأخيرة من قبل أنصاره ومعارضيه، من أجل معرفة خياراته، لتحديد ملامح حكمه وشخصيته ورؤيته للدولة والمجتمع، إلا أنه أستطاع أن يخرج بتشكلة حكومية مقبولة من حيث التنوع، مسؤولة من الكفاءة، مع اختلالات جهوية كبيرة لصالح محيطة المباشر كان يمكن العدول عنها من شخص بحكم تجربته ونظرة الناس إليه.

 

ولعل هذه أبرز الرسائل التى حملت الحكومة الأولى للرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى:

 

  1. ظهر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى فى بداية حكمه ، وهو إلى أصحاب الخبرة والكفاءة أميل، بدلا من تقريب الذين ساندوه فى الانتخابات الأخيرة، وانتقى بعض الوجود الجديدة من خارج دائرة الابتذال وأصحاب المبادرات الشكلية، فكانت مفاجئة فى بعضها، لكنها مقبولة بحكم سمعة من أختار أو الأدوار التى يلعبونها فى الساحة المحلية خلال السنوات الأخيرة.

 

فقد زكت التشكلة الوزارية سلوك خديجة بنت بوكه التى كانت فى قلب الحملة الانتخابية للرجل دون ضجيج إعلامى، وحملت الطالب ولد سيد أحمد إلى الواجهة، وزيرا للشباب والرياضة، وهو الكادح من أجل مستقبل أفضل، المستشعر نعمة التعليم واحتضان المجتمع لكل أبنائه، المتألق فى مجاله خلال تجربته مع الأمم المتحدة، دون قطيعة مع محيطه الفقير بكنكوصه أو استغلال فقره لمآرب شخصية.

 

وتم إسناد حقيبة الشؤون الإسلامية للقاضى الفقيه الداه ولد سيدى ولد أعمر طالب،بينما اختفت أسماء الفقهاء والعلماء وأهل الرشد، ممن بالغوا فى تزكية الرئيس والدعاء له على المنابر، واستغلال ما من عليهم به من علم وحضور من أجل إقناع الجمهور بالتصويت له خلال الانتخابات الأخيرة، قناعة به أو بالمنصب الذى كان جل الفقهاء يحلم به، ويخطط للظفر به فى أول تشكلة وزارية.

 

2- تجاوز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى عقد المحاصصة الفئوية التقليدية، لكنه لم يغمط الأرقاء حقهم فى التشكلة الوزارية، دون أن تفرضه الظروف على اختيار أصحاب الأصوات المرتفعة، أو الساسة المستغلين لألوانهم من أجل كسب المزيد من الشهر والنفوذ.

 

لذلك أسند حقيبة الوزارة الأولى للوزير إسماعيل ولد بد ولد الشيخ سيديا، ولم يتغير وضع صديقه الشيخ ولد بايه على هرم البرلمان، رغم كل الضغوط التى مارسها الإعلام وبعض السياسيين من أجل تصعيده لفسح المجال أمام أحد الأرقاء السابقين من أجل تولى المؤسسة التشريعية الأهم بعد الرئاسة فى موريتانيا.

غير أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى كانت له فى الحكومة نظرة إيجابية للأرقاء السابقين، مع الحرص على اختيار أصحاب الخبرة والكفاءة، فتم تثبيت وزير التعليم العالى والبحث العلمى سيدى ولد سالم فى منصبه.

وتم تكليف الوزير محمد سالم ولد مرزوق بمنصب وزير الداخلية واللامركزية، والطالب ولد سيد أحمد بالشباب والرياضة، والدكتور سيدى محمد ولد الغابر بمنصب وزير الثقافة، ومحمود سيد أحمد بمنصب وزير التجارة، وهي أسماء يمتاز أصحابها بالخبرة والفاعلية والتأثير داخل البلد خلال العشرية الأخيرة.

 

 

3- حافظ الرئيس محمد ولد الغزوانى على بعض رموز السلطة ممن كانوا يديرون البلد معه أو مع رفيقه محمد ولد عبد العزيز، ولم يتنكر للوجهاء وأصحاب الشعبية والتأثير ، لذلك حملت خياراته وجوه عسكرية وسياسية لها شعبية كبيرة فى الشرق والشمال والجنوب، فكان تعيين وزير الدفاع حننا ولد سيدى ، أبرز ضباط المؤسسة العسكرية، وأحد الفاعلين الكبار فى مقاطعة باسكنو، بعد عقد من الحصار والتغييب، ولم يخضع ولد الغزوانى لحملة الابتزاز التى مارسها بعض رموز الأغلبية من أجل إبعاد الوزيرة الناها بنت مكناس، فكان استمرارها على رأس وزارة المياه تزكية لدورها فى الحملة واعتراف صريح بمكانتها فى الحياة السياسية، كأنجح سيدة مارست السياسة خلال العقود الأخيرة، بعدما قادت حزبها بثبات إلى المرتبة الثانية فى المجالس البلدية والثالثة فى البرلمان، وكانت من أوائل الداعمين للرجل وبشعبية مقدرة فى العديد من أنحاء الوطن.

وتم تعيين الوزيرة كمب با فى منصب وزير مستشار برئاسة الجمهورية، وهي سيدة فاعلة فى المشهد بولاية كوركل، ومقربة جدا من الرئيسين، ولها علاقات واسعة بمجمل الدوائر الأمنية والسياسية بموريتانيا، وتحظى بشعبية كبيرة فى المنطقة التى تنتمى إليها.

 

 

4- كان لأهل الخبرة والاختصاص مكانتهم فى التشكلة الوزارية، فتمت ترقية مدير الخزينة الذهبى ولد مولاي الزين إلى منصب وزير المالية، وهو كفاءة وطنية غير مسيس، يمتاز بالجدية والاستقامة حسب بعض العارفين به، وكان له دور بارز فى إصلاح المنظومة المالية خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب زميله ووزيره وزير الاقتصاد والمالية السابق المختار أجاي.

 

كما تمت ترقية الشيخ الكبير ولد مولاي الطاهر من منصبه فى البنك المركزى، كمحافظ مساعد إلى وزير اقتصاد، ليخلف أبرز وزراء الحكومة السابقة فى منصبه، وهو شخصية بارزة فى مقاطعة أمرج، ورغم أدواره السياسية، إلا أن طابع التخصص والكفاءة فى المجال المالى كان الطاغى على مسيرته خلال العشرية الأخيرة، حيث تولى منصب المحافظ المساعد لستة سنين، قبل أن يجدد له قبل أشهر فى منصبه، بحكم الثقة التى يحظى بها من دوائر صنع القرار بموريتانيا.

 

وشكل التجديد للوزير إسماعيل ولد الشيخ أحمد رسالة إيجابية لأهل الخبرة والعلاقات، حيث أظهر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى تشبثه بالخط الذى كان ينتهجه سلفه فى العلاقات الدولية، والتعامل مع الملفات المعقدة عبر أهل الخبرة والاختصاص، ولم يخذل الوزير الذى كان له الدور الأبرز فى الإقناع به، وإقناعه بالعمل فى بلده ولصالحه وطنه، بعد فترة من العمل فى الأمم المتحدة، يختلف الكثير من الناس فى تقييمها، لكنها دون شك، شكلت فرصة للحضور الموريتانى فى أروقة الدبلوماسية العالمية.

ولم يخرج وزير التعليم الأساسى وإصلاح التهذيب محمد ماء العينين ولد أييه من دائرة أهل الخبرة والاختصاص الذين دفع بهم إلى الواجهة من أجل تسيير القطاعات التى كانوا يعملون فيها.

 

 

أستغنى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى عن عدد من أعضاء الحكومة البارزين، كالوزير سيدى محمد ولد محم و المختار أجاي والوزير أحمد ولد أهل داوود والوزير يحي ولد عبد الدائم، وهم ثلاثى ممن تميز خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالحضور والفاعلية والتأثير فى القطاعات التى تولوا تسييرها، مع قدرة كبيرة على إدارة المشهد السياسى بالنسبة للأول، وإجراء إصلاحات مالية مؤلمة ولكنها مفيدة بالنسبة للثانى، وضبط قطاع مترهل وفاسد والإقلاع به بالنسبة للثالث، والحضور بشكل لافت فى الساحة المحلية بالنسبة للرابع.

 

ولكن التشكلة لم تخل من أخطاء وسياسية ملأ الفراغ تم اعتمادها فى بعض الدوائر الحكومية، وتجاهل قوى حية كانت إلى جانبه واحتضنته، وكان الحضور الطاغى لأهل لعصابة فى الحكومة رسالة سلبية ويمكن العدول عنها لتمثيل بعض الولايات الأخرى بشكل أكبر، وتوسيع رقعة المساندين للحكومة فى بلد، للعامل القبلى والجهوى الدور الأكبر فى استقرار المنظومة التنفيذية وثباتها ونجاحها.

 

ولعل أصحاب المبادرات والكتل السياسية والهاربون من "جحيم" المعارضة كانوا أكثر المحبطين من التشكلة الوزارية الجديدة، فلم يجد أصحاب "البطانة الصالحة" فرصة فى التولفة الوزارية، ولم ينجح رموز المعارضة المنسحبين منها حديثا فى إقناع الرجل بمكانة يعتقدون أنهم الأحق بها، وحشر عادل والتحالف الشعبى التقدمى والتحالف الديمقراطى وحزب الكرامة وحزب اللقاء الديمقراطى، فى دائرة الأصدقاء المقتنعين بضرورة الإصلاح والتهدئة وانطلاقة عجلة التنمية، دون أن يكون لهم دور فى مايصبون إلى رؤيته لموريتانيا من إزدهار وتطور، بعد عشرية ربما كانت انتقاداتهم لها أبرز حائل بينهم وبين مايشتهون.

 

سيد أحمد ولد باب / زهرة شنقيط