قال الأكديمي الموريتاني سيد أعمر ولد شيخنا إن مأسسة السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية والأمنية تعتبر إحدى أهم المتطلبات المسبقة للديمقراطية، مشيرا إلى أن أهم مسببات التدخل العسكري في السياسة ليست عسكرية بل سياسية، وهي لا تعكس الخصائص الاجتماعية والتنظيمية للجيش، بل تعكس البنية السياسية والمؤسساتية للمجتمع.
وقال ولد شيخنا ـ وهو أكاديمي ورئيس تيار الوفاق الوطني ـ ورقة حول "مأسسة السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية"، خلال مؤتمر "من أجل موريتانيا"، بالعاصمة نواكشوط، إنه في البلدان الأقل ديمقراطية – ممن عانت الحكم العسكري – تعد هذه السيطرة المدنية أهم الضمانات للوصول إلى مرحلة الترسيخ الديمقراطي. مستدركا على أنه في الدول الأقل ديمقراطية تكون الجيوش منشغلة بالحفاظ على الاستقرار الداخلي للدولة، بالإضافة للدفاع عنها خارجيا، ولذا تكون أكثر ارتباطا بالسياسة الداخلية.
وأضاف ولد شيخنا أنه في الدول الأقل ديمقراطية يغيب تماما مفهوم السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية، وتصبح الأولوية لتقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، ومحاولة فهم مكامن قوتها.
واستعرض ولد شيخنا أهم النظريات التي تناولت العلاقات المدنية العسكرية وهي نظرية الانفصال التي تقوم على فرضية رئيسية، مفادها أن المؤسسة العسكرية يجب أن تبقى منفصلة ماديا وإيديولوجيا عن المؤسسات السياسية للدولة و "نظرية التوافق" التي تفترض أن ثلاثة شركاء هم: المؤسسة العسكرية، والنخب السياسية، والمواطنون (المجتمع) ينبغي أن يهدفوا إلى علاقة تعاونية، قد تتضمن انفصالا بين المجالين المدني والعسكري بالمعنى السابق، وقد لا تتضمن مثل هذا الانفصال. و"نظرية التنافس المدني العسكري"، التي تفترض وجود تنافس بين المدنيين والعسكريين للسيطرة على خمس مناطق رئيسية في عملية صنع القرار: (تجنيد النخبة، صنع السياسة العامة، الأمن الداخلي، الدفاع الوطني، التنظيم العسكري).
وأعتبر الدكتور سيد أعمر ولد شيخنا أن تحقيق السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية يجب أن يمثل أولوية قصوى في أجندة أي حكومة ديمقراطية، ويتطلب النجاح في هذه المهمة ذات الطابع الاستثنائي حكومة مدنية قوية، مشكلة من تحالف سياسي واسع، يكون قادرا على التفاوض مع المؤسسة العسكرية من موقع قوة، مؤكدا على أنه في الحالات التي فشلت فيها السيطرة المدنية واستمر الجيش في التأثير كان السبب الرئيس هو انقسام النُّخب والقوى السياسية، وعدم وجود إجماع وطني على إخراج الجيش، وعدم وجود بديل وطني يطمئن له الجيش.
وتحدث ولد شيخنا خلال المحاضرة عن جملة من الإجراءات المهمة التي يجب إتباعها لتحقيق السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية من قبيل تفعيل الرقابة البرلمانية على أدوار الجيش وميزانيته. وضع ضوابط لتدخل الجيش في الأمن الداخلي، تصديق البرلمان على تعيين كبار القادة، تنظيم شؤون الترقية والعلاقات الخارجية للجيش.
وختم المحاضر بالقول إن إخضاع أجهزة الأمن الداخلي الشرطة و المخابرات للسيطرة المدنية يمثل تحديا من نوع آخر، ينبغي للحكومات المنتخبة العناية به، فهو لا يقل حيوية عن ملف إخضاع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، نظرا للأدوار التي تضطلع بها أجهزة الأمن في مجال حريات المواطنين وأمنهم.