صورة وحكاية : بئر العركوب/لعيون

مررت بهذه البئر قبل سنوات، اتّعظت كثيرا من حالها، وثّقت اللحظة بهاتفي وألقيتُ "القبض" بعدستي على صورة نابضة بالحياة، فكنت كلمّا تأمّلتها تهجُمُ علي الذكريات، فأتذكّر البئر قبل مجيء شبكة المياه، يوم كانت جنباتها مزدحمة بالنّاس تسقي بالدّلاء ذات الرِّشَى الطويلة، فتروي عطش الأهالي والحيوانات بماء عذب زلال..

اليوم هُجرت البئر وامتلأ بالتّراب حوضها العظيم وغاض ماؤها .. وانتهى ذلك التاريخ الحافل بالورُودِ والصُّدورِ والرّعاء والشّاء وقصص الجماعات التي كانت تملأ المكان، فتقصّ حكايات حيّ العرقوب في مشهد شبيه بنشرات الأخبار اليوم.

كانت بيرًا ضاجّة بحركة النّاس من كل بيوتات العرقوب وأطرافه، لقد كان يوم "اتجَجّي" وهو اليوم الذي تخرج فيه تربة البئر، يوما مشهودا، كنا ونحن صغارا نتحلّق حول ما تجودُ به الدّلاء في هذا اليوم، نفتّش فيه عن القطع النقدية والأشياء الثمينة التي سقطت في البئر.

توقف ذلك التاريخ وانتهى للأبد، وبقيت البئر شاهدة على توالي صُروف الدّهر وتعاقبِ الأجيال وتطوّر العمران...

لكنها مع كل ذلك، احتفظت في ملامحها العامة بشيء واحد لم يتبدّل ولم يتغيّر؛ إنه الوفاء لذلك التاريخ الجميل، لتلك الحكايا والكرم، لذلك الماء العذب الزّلال الذي لا يشبهه ماء في زمان الناس هذا، لحيّ العركوب الهادئ المسالم الطّيّب أهله.

غير بعيد من البئر شُيّد المسجد، وعادت الحياة للمستشفى وبقيّت بعض المنازل صامدة ثابتة في مكانها تُبادل الحنين والشوق لتلك البئر المباركة العظيمة.

حمود ولد الفاظل