اظهرت أزمة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم بموريتانيا (اسنيم) خسارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لنفوذه داخل البلد، لصالح قوي المال والأمن، وتراجع مكانته كرئيس دولة قادر علي استعاب المشاكل وحلها، واتخاذ القرارات الجريئة مهما كانت قوة الطرف المتضرر.
الرجل الذي بدأ مأموريته الأولي بفرض وجهة نظره علي مجمل أوجه الصراع الداخلي، والتعامل مع القضايا المطروحة علي أجندة الحكومة بقدر كبير من الثقة في النفس، وانهاء كل مظاهر التوتر بشكل قانوني أو غير قانوني، يقف اليوم عاجزا عن طرح أي فكرة لاحتواء التوتر الذي يهدد أكبر شركة للبلاد،وسط حديث متصاعد عن دور مرشح الرئاسيات المحتمل محمد عبد الله ولد أوداعه، وصاحب الكلمة الأبرز في مملكة الحديد حاليا، بعد خمس سنوات من النفوذ الإداري، والتغطية الأمنية من أحد أبرز ضباط الجيش الممسكين فعليا بزمام الأمور في موريتانيا، ونسج علاقات وازنة في صفوف النخبة الحاكمة.
المعلومات المتداولة داخل النخبة السياسية المحلية تشير إلي تراجع كبير لدور الرئيس في الكثير من الملفات، واعتماده علي تقارير أمنية يكتبها أبرز معاونيه، والرجل الطامح في تنصيب خلفه، بينما خفت نظرته للأخبار الواردة من الإدارة الإقليمية والدرك،و الأطراف الناصحة له من خارج دائرة الحكم المباشر.
محمد عبد الله ولد أوداعه عرف كيف يستغل ضعف الرئيس – أو هكذا تقول الأطراف العارفة بما يجري في القصر- وقرر التمادي في موقفه الرافض لأي تسوية مع العمال المضربين، واقنع الرئيس بأن أي استجابة ولو كانت جزئية لمطالب الشغيلة من شأنها تعزيز مكانتها في الساحة المحلية، وتحول رموز العملية النقابية بتيرس زمور إلي أبطال، وهو ما يجب الوقوف أمامه بقوة، ورفض أي حل قد يدي إليه.
غير أن بعض المصادر الأخرى تري أن الأزمة تحت السيطرة، وأن الرئيس ربما يتخذ قرارات جريئة من أجل انهاء الملف الحالي وسط الأسبوع، واحالة المدير العام للشركة محمد عبد الله ولد أوداعه إلي التقاعد الإجباري بعد أن سجلت الشركة في عهده أكثر حصيلة من المشاكل في تاريخها، وبات استمراره علي رأسها يشكل تهديدا جديا لعلاقات البلد التجارية مع الشركاء، واضرارا بالأمن العام وسكينة المجتمع.
كما أن مقتضيات التسيير الجدي للدول تفرض علي الرئيس أخذ مسافة من كافة الموظفين معه، وعدم القبول بتلطيخ سمعته من طرف العامة مهما كانت ثقته في الشخص المذكور. وهو يدرك قبل غيره الأخبار التي يتم تداولها بشأن النفوذ المتصاعد للمدير العام لشركة أسنيم، وما يتردد عن ضلوع بعض المقربين من الرئيس في عمليات تربح غير قانونية، مقابل توفير الحماية لرجل لبراكنه الأول محمد عبد الله ولد أوداعه.
ورغم عدم وجود تقارير مؤكد بشأن الأخبار المتداولة، إلا أن ضعف الرئيس أمام مدير الشركة، وعجزه عن اتخاذ أي قرار رغم دخول الإضراب شهره الثاني، يعزز ثقة العامة في التقارير الإعلامية المتداولة، ويدفع بعدد من رموز العمل التنفيذي إلي الجنوح لطرق ملتوية من أجل البقاء في المنصب التي يستغلونها، والتغطية علي الأعمال التي يقومون بها خارج أسس الشرعية القانونية والمشروعية الأخلاقية في التسيير.
زهرة شنقيط