شكلت الانتخابات التشريعية والبلدية المقررة فاتح سبتمبر 2018 أول اختبار جدى لرموز الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وسط تجاذب بلغ أوجه مطلع يناير 2018 بين رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم والوزير الأول يحي ولد حدمين، وسط انقسام كبير داخل النخبة الحاكمة والمحكوم بها على حد سواء.
وقد ظلت الأطراف السياسية المتصارعة تنتظر حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز أو تدخله لوقف الحرب غير المعلنة بين رموز الأغلبية، خصوصا بعد أن شكل إسقاط التعديلات الدستورية قبل إقرارها، أبرز مظاهر الانقسام داخل النخبة الحاكم بموريتانيا، وأبان عن ضعف شديد لدى السلطة التنفيذية المعنية باستيعاب الشيوخ المغاضبين أو تعزيز الرئاسة فى مواجهة أول تمرد من نوعه.
غير أن الرئيس أختار ترك الأمور تأخذ مجراها دون تأثير، مانحا الأطراف المتصارعة فرصة خوض النزال بكل أريحة دون تدخل مكشوف أو مساعدة واضحة، عبر إطلاق عملية انتساب شاملة داخل الحزب الحاكم ذاته، وخوض الانتخابات التشريعية والبلدية على أساس موازين القوى الداخلية، وهو ما أسال لعاب البعض، ودفع بمجمل قادة الحزب وأعضاء الحكومة إلى الميدان، تثبيتا لشرعية قائمة أو ضغطا من أجل صناعة مكانة مفقودة، تضمن لصاحبها الاستمرار فى المشهد إلى غاية يوليو 2019 على أقل تقدير.
وقد بلغ الصرع أوجه عشية تنصيب الفروع والأقسام، ودارت حرب الرفاق فى العاصمة وخارجها، واستخدمت كل الأسلحة المتاحة من أجل تنصيب قسم أو انتداب مؤتمر، أو تحييد خصم مفترض عن مكان حيوى يضمن له الاستمرار فى المشهد.
وقد ظهرت عدة أقطاب داخل الساحة الداخلية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم كان أبرزها التحالف الذى يقوده رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم والتحالف الذى يقوده الوزير الأول يحي ولد حدمين، بينما أختار الوزراء الشباب خوض العملية دون الانخراط فى تحالف معلن مع الأحلاف المتصارعة،والنأي بالنفس ما أمكن، والعمل من أجل تشكيل تحالف من الأطر المنتمين للحزب، وخصوصا فى دوائر محددة (كالعاصمة نواكشوط ولبراكنه وأترارزه) ، بينما تركوا المجال للأطراف الأخرى من أجل خوض النزال عبر شريط ممتد من بير أم أقرين فى "تيرس زمور" إلى "فصاله" فى "باسكنو" بأقصى الشرق الموريتانى.
وقد بدت الصورة مرتبكة خلال الأيام الأولى للحملة ، قبل أن تحمل الأسابيع الأخيرة مفاجئة الموسم، بعدما تمكن رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم من خلق تحالف عريض فى اللحظات الحاسمة من عمر العملية، وهو ما ضمن للحلف أغلبية مريحة بأغلب هيئات الحزب ، وقد ضم الحلف الجديد أبرز قادة الحزب الحاليين، مع تأمين دعم معنوى كبير من بعض رموز المؤسسة العسكرية والأمنية المهتمين بالعملية السياسية.
وقد شمل الحلف الوزير سيدنا عالى ولد محمد خونه، والنائب محمد محمود ولد حننا، وتحالف "أهل خو" والأمين العام لصندوق الإيداع والتنمية محمد ولد التجانى، وعضو المكتب التنفيذى أحمد ولد جلفون، والتحالف المحسوب على الفريق مسغارو ولد سيدى فى لعيون، والوزير الكورى ولد عبد المولى ، والنائب الخليل ولد الطيب فى كرو، والوزيرة زينب بنت أعل سالم فى كيفه، والوزير السابق بمب ولد درمان من روصو ، والوزير الأمين العام للرئاسة سيدى محمد ولد الشيخ سيديا من أترارزه، والوزير السابق محمد ولد جبريل من آدرار، وعضو مجلس الشيوخ يحي ولد عبد القهار ، والنائب السابق العربى ولد جدين من شنقيط، والعمدة فاطمة بنت عبد المالك من نواكشوط ،والوزيرة كمب با من كيهدي، وعضو مجلس الشيوخ المنحل "رابى حيدرا"، والنائب البرلمانى محمد يحي ولد الخرشى، والسفير باعصمان، ومستشار الرئيس محمد سالم ولد مرزوك، وفدرالى إينشيرى محمد ولد عابدين، ورجل الأعمال المقرب من الرئيس عالى ولد الدولة والنائب البرلمانى لمرابط ولد الطنجى، وسيدة نواذيبو القوية مريم بنت دحود.
وقد تعززت جهود الحلف بعقد تفاهم شبه معلن مع رجل الطينطان القوى ورجل الأعمال المعروف سيدى محمد ولد سييدى، والوزير السابق ختار ولد الشيخ أحمد، والعمدة محمد الأمين ولد خطرى، كما شكل دعم الشيخ ولد بايه للحلف رسالة بالغة الأهمية، وخصوصا فى مناطق الشمال التى باتت ولد بايه رجلها الأول بلا منازع، بعد عقد من العمل داخل مجمل الدوائر المركزية بالمنطقة وتقديم الخدمة لقاطنيها.
غير أن الوزير الأول يحي ولد حدمين حافظ هو الآخر على وجوده داخل دوائر مركزية وحيوية ، من خلال تحالف النواب فى النعمة، وتحالف الأطر والنواب فى أمرج، وتأمين دعم أحد ضباط "باسكنو" البارزين، والنائب البرلمانى من نفس الدائرة فيه المان ولد قشه، ونائب جكنى، وبعض العمد البارزين فى الحوض الغربى، ورجل الأعمال عمار ولد أحمد سعيد، ونائب لعيون سيدى عالى ولد سيد الأمين ورئيسة مجموعة نواكشوط الحضرية ماتى بنت حمادى، ومدير شركة " آ ت ت م" اعل ولد الفيرك، وبعض وزراء التولفة الحكومية الحالية، كالوزير محمد ولد كمب والوزيرة فاطم فال بنت أصوينع، والوزيرة بنت أمبارك فال ، ونائب "أنبيكه" سيد أحمد ولد أحمد، ووزير الثقافة محمد الأمين ولد الشيخ وبعض المهتمين بالعملية السياسية فى أترارزه، ناهيك عن تحالف عريض بتجكجه و"مال" وبعض القوى الفاعلة بشنقيط وتامشكط.
وظهر الوزير المختار ولد أجاي كأحد أبرز الوزراء الشباب داخل العملية، من خلال حضور فاعل فى اللجنة المكلفة بإصلاح الحزب الحاكم وتطويره،وتسيير عملية الانتساب والتنصيب، مع خلق قاعدة شعبية كبيرة فى ولاية لبراكنه، وقيادة تحالف من الأطر فى العاصمة نواكشوط، وخصوصا فى مقاطعات توجنين والرياض وتفرغ زينه.
بينما تركت مقاطعة عرفات لصالح مقربين من قائد الجيوش محمد ولد الغزوانى، وتم حسم آلاك من قبل التحالف المحسوب على مدير الأمن الفريق محمد ولد مكت، وبدت الصورة ضبابية فى "أنبيكت لحواش"، و"وولاته" و" المذرذرة" و"كرمسين".
لكن الصراع الدائر تبخر مع فشل الأطراف الممسكة بالعملية فى دفع الحزب إلى عقد مؤتمره قبل انتخابات المجالس البلدية والبرلمان، وهو ماممكن الحلف الأول من تعزيز قبضته بشكل مريح داخل الساحة السياسية، وتبخرت جهود الوزير الأول والمتحالفين معه فى حصد أي نتيجة مقنعة، وضاعت أحلام رجال راهنوا على الانتساب والتنصيب لحسم مقاعد داخل التولفة البرلمانية المقبلة أو تجيير قرار الحزب لصالح مرشحيهم فى المجالس المحلية، وبدت الصورة فى أعين المحيطين بالرجل الثانى فى هرم السلطة الموريتانية بالغة السوء والتعقيد.. لقد انهارت كل الخطط التى وضعوها خلال الأشهر الأخيرة، وانفرط عقد التحالفات التى عقدوها خلال الأسابيع الماضية، وتبخرت كل الأحلام التى أملوها من العملية ، بعدما عجزوا عن تأمين الأغلبية فى الفروع والأقسام ، وتم حسم الفدراليات بالتعيين من قبل الرئيس ولجنة الإصلاح، وتعالت أصوات أنصار الرجل فى كل محفل ، وهم يبكون حظهم العاثر، بعدما حملت الأقسام والفروع والخلايا أغلب خصومهم إلى هرم المؤسسة، واعتمدت مقترحاتهم للترشيح بشكل كامل، وباتت خياراتهم محدودة، بين معارضة الحزب والترشح ضده، والتفريط فى مابنوه خلال الأشهر الأخيرة من رصيد معنوى، أو الاستسلام وانتظار نتائج الانتخابات لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور فى صراع الحزب وخصومه من قادة المعارضة وأنصارها، وسط شعور ممض بالهزيمة وقلق مما ستحمله معطيات سبتمبر فى ظل رئيس يقرر دون تشاور فى كثير من الأمور، ويحسم خياراته دون تردد إذا نضجت كل الظروف.
لقد كانت لحظة إعلان الحزب لمرشحيه فى المجالس البلدية والنيابية لحظة كاشفة لأوزان الأطراف المتصارعة داخل معسكر الأغلبية . لقد فيها تبددت أحلام كثر، وعانق فيها آخرون ثمار الجهد والحظ والقدرة على تسيير المشترك..