شكلت الأيام التشاورية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا فرصة نادرة لرئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم للرد على الحملة الإعلامية التى استهدفته خلال الأشهر الأخيرة، والظهور بمظهر الواثق من نفسه، الممسك مع آخرين بخيوط اللعبة السياسية داخل معسكر الأغلبية، رغم دعاوى الإقصاء والتهميش التى لاحقته منذ الاستفتاء الأخير.
وبغض النظر عن الجدل الدائر بشأن اختيار الرئيس لأعضاء اللجنة من أقرب حلفاء الرجل أو مساعدة الرجل للرئيس فى انتقاء عناصر الثقة لمراجعة أداء الحزب، فقد كانت جلسات التحضير للأيام التشاورية والاجتماعات المكثفة قبل ذلك مع مجمل الهيئات الحزبية فرصة لتعزيز صورة الرجل داخل معسكر الرئيس وخصومه على حد سواء، مع إقصاء واضح وممنهج لكل الذين نابذوا قيادة الحزب العداء أو دخلوا معها فى خصام مفتوح خلال الأشهر الأخيرة.
ولعل رئيس اللجنة العليا لتشخيص واقع للحزب ووزير الدفاع جلو مامادو باتيا كان واضحا حينما خاطب احدى اللجان الحزبية بالقول إن الصورة التى ارتسمت لديه وأغلب أعضاء اللجنة مغايرة لما سمعوه وتخيلوه قبل تكليفهم بالمهمة، مطمئنا رموز الحزب بأن وضوح الصورة للرئيس ستترتب عليه إجراءات جوهرية بالكامل، لتغيير واقع الحزب ومكانته وحل المشاكل المطروحة عليه، مؤكدا فى اجتماع جمعه باتحاديات الحزب بأن ولد محم كان صريحا مع اللجنة والرئيس، وأنه الأقدر على نقاش الأفكار والقضايا العالقة والخوض فى التفاصيل مع الرجل الأول بالأغلبية محمد ولد عبد العزيز، وأن مهمة اللجنة فنية بالأساس.
وتقول مصادر زهرة شنقيط إن ولد محم حاول طيلة مسار عمل اللجنة الإبتعاد عن الهيئات القيادية بالحزب وألغى مجمل المواعيد التى كانت تربطه مع بعض رموزها تفاديا لما قد يفهم من تأثير على قناعات الأفراد، كما تجنب الخوض فى الحديث داخل الاجتماعات التى عقدتها اللجنة بحضوره مع المكتب التنفيذى والمجلس الوطنى والنواب واتحاديات الحزب، بينما أختار أو أختير له تصدر المشهد ليلة افتتاح الأيام التشاورية بحكم الرمزية التى يحظى بها خطيب الافتتاح عند عامة الناس، ورموز الحزب وكبار الفاعلين فيه، خصوصا إذا كان النشاط الختامى لمسار اللجنة سيتم تتويجه بأهم دعم للحزب منذ تأسيسه عبر إعلان الرئيس بشكل صريح دعمه للحزب وتمسكه به باعتباره المستقبل الأهم للأغلبية الداعمة له، والبوابة التى ستدار منها البلاد خلال المرحلة القادمة والسور الجامع لمن أرادوا مشاركته فى العملية السياسية، بعد سنوات من التردد وترك الحبل على الغارب لقادة الحزب وشبابه من أجل الخوض فى تفاصيل العملية السياسية دون ضغط أو توجيه.
خطاب مودع أم لحظة تأسيس؟
وقبل اكتمال المشهد بحضور الرئيس المؤسس للحزب كما يحلوا لقادة الحزب وصفه، أختار ولد محم جرد أبرز منجزات الحزب السياسية، مسديا الشكر للنواب والعمد وأعضاء الحزب من الشباب والنساء ، متجاهلا عن قصد أو هكذا خيل لمجمل الحضور ما قدمته حكومة نصبت نفسها كأبرز خصم للتشكلة السياسية الموسومة محليا بالحزب الحاكم، رغم حضور وزيرها الأول يحي ولد حدمين وأغلب الوزراء المهتمين بالعملية السياسية من معسكره أو المنحازين لرئيس الحزب سيدى محمد ولد محم فى صراع قالت قوى حزبيه داعمة للرجل إنه فرض عليه بفعل قوة الاستهداف والمحاصرة والتشكيك فى مكانة الحزب داخل المنظومة السياسية والتنفيذية، قبل أن يتوج مسار المحاصرة والرفض بفرض خيارات محددة على بعض المنتمين للحزب بل وبعض قادته من الصف الأول الذى أختاره ولد عبد العزيز لقيادة العمل التنفيذى عشية انقلاب الجيش 2008.
حاول ولد محم الخروج عن منطق التنابز وتحميل الآخرين مسؤولية الواقع المر لحزب حاكم لايحكم، معتذرا عما أسماه التقصير والخطأ والضعف الذى يتحمل هو لاغيره مسؤوليته الكاملة، ومعربا عن ارتياحه لما أسماه بالمنجز الذى يعود الفضل فيه بعد الله عز وجل لثقة الشعب بالرئيس محمد ولد عبد العزيز ومكانته بين الناس، فى إشارة إلى الفوز بأغلبية مريحة داخل البرلمان والمجالس المحلية خلال الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة.
اعتذار صنفه البعض كخطاب وداع، بينما رأى فيه آخرون لحظة تأسيس لمرحلة أخرى من تاريخ الحزب الحاكم إن قدر الله له الإستمرار لفترة أطول، مع إمكانية إجراء تغيير جذرى فى التشكلة المحيطة بالرجل، بعدما أحجم عن تغيير مكتب الحزب التنفيذى ومجلسه الوطنى بعد توليه قيادة الحزب 2014 مكتفيا بالتغييرات التى أقرها سلفه اسلكو ولد أحمد أزدبيه، معتبرا النخبة الموجودة فى الحزب فى النهاية بعض أعوان الرئيس ورجال ثقته وإن إبعادها لصالح آخرين شطط فى التصور وإرباكا للساحة السياسية رغم الضعف الملاحظ فى أداء البعض وانشغال آخرين بمهام تنفيذية تحول دون ممارسة المهمة بشكل سلس.
وبغض النظر عن مبررات كل طرف، إلا أن التغييرات القانونية المرتقبة فى المجلس الوطنى تكشف حجم التغيير المنتظر، ويظل ميزاج الرئيس واكراهات العملية السياسية أبرز عامل فى استقرار ولد محم على رأس الحزب أو مغادرة التشكلة قبل انتخابات 2018 التى كان البعض يعتقد أنها أول اختبار جدى له على رأس الحزب الحاكم بموريتانيا، بعد أن خاض سلفه محمد محمود ولد محمد الأمين انتخابات 2013 بكل تفاصيلها وإكراهاتها ونتائجها المعروفة لدى الجميع.
لكن مالا يختلف عليه اثنان بعد الأيام الأخيرة هو أن الصورة التى رسمت للرجل ابان الاستفتاء الدستورى كانت جد مغلوطة، أو أن الذين توهموه خارج العملية السياسية يصارعون الآن من أجل البقاء فيها فى لحظة بالغة الدقة والتأثير.