تتجه الأنظار داخل الساحة السياسية لمعرفة ما ستفرزه المشاورات الجارية بين رموز المعارضة الموريتانية، وخصوصا التحالف المشكل للمنتدى الوطنى للديمقراطية والوحدة بشأن التعامل مع العملية الانتخابية المحتملة وآليات اتخاذ القرار، وسط ضغوط متزايدة من أجل حسم الملف بشكل مبكر.
ورغم التكتم الذى تفرضه المعارضة فى الوقت الراهن على الجهود المبذولة لصياغة الوثيقة الجديدة دون المرور بالهيئات المركزية للأحزاب السياسية، إلا أن التوجه العام لدى الممسكين بزمام الأمور أو المكلفين بالتفاوض يشى بقرب تكرار ثانى تجربة سيئة للمعارضة الموريتانية خلال العشرية الأخيرة، وربما توجيه ثالث ضربة أخلاقية لسمعة المعارضة الإسلامية (تواصل) والذى يعتبر أبرز حزب داخل التولفة المناهضة للرئيس محمد ولد عبد العزيز فى الوقت الراهن، من خلال جر بعض رموز الحزب إلى التوقع على "وثيقة الضمانات" أو "المطالب" أو "الشروط" دون إقرارها بالمكاتب المختصة، وجعل الحزب أمام خيارات مرة ، أبرزها مصادرة رأي الهيئات المخولة باتخاذ القرار – وهو أمر بالغ الصعوبة- أو إحراج القيادة الحالية عبر إلزامها بوثيقة تستلزم نتائج تعامل الآخرين معها مقاطعة الانتخابات أو التحفظ عليها، بيما قد لاتجد الجهات المعنية بملف الانتخابات داخل الحزب ( المكتب السياسى / الشورى) غضاضة فى الزج بالحزب داخل أتون الحملة المحضرة للانتخابات والتعامل مع الملف ترشيحا أو دعما أو تحالفا بغض النظر عن مدى استجابة السلطة لمضامين الوثيقة أو رفض الرئيس لمجرد التفاوض مع القائمين عليها بحكم عامل الوقت والرغبة فى إقصاء المعارضة من واجهة الفعل السياسى بموريتانيا فى آخر مأمورية له بمنصب رئيس الجمهورية.
ويعتقد البعض أن الوثيقة الجديدة لن تكون سوى تكرار إحراج جديد لرموز التيار الإسلامي، بعدما دفعت بهم المعارضة – تحت ضغط الحماس الناجم عن حراك 2012- إلى التوقيع على وثيقة يلتزم فيها الجميع بعدم المشاركة فى أي انتخابات لاتتمتع بمعايير الشفافية، قبل أن يتمترس زعماء الأحزاب المقاطعة خلف مبرراتهم وفهمهم للشروط والظروف، رافضين مبررات الحزب المقتنع بالمشاركة (تواصل) رغم المرافعة النوعية التى قدمها رئيسه محمد جميل ولد منصور أمام أعضاء المنسقية، ليجد نفسه وتياره تحت رحمة المنتقدين لخطوة المشاركة، قبل أن يتبينوا لاحقا حجم الخطأ الذى ارتكبوه حينما غابوا مجاملة لبعض المتحمسين أو استجابة لضغوط إقليمية أو خوفا من الحصول على نتائج مزرية فى الانتخابات المحلية أو عزوفا عن المشاركة فى أي استحقاق لايضمن الوصول إلى السلطة من بوابة منصب رئيس الجمهورية .
تجربة مريرة
وكانت المعارضة الموريتانية قد دفعت فى السادس عشر من مايو 2013 بسلسلة من الشروط التى اعتبرتها ضرورية لأي عملية انتخابية بعد فترة "نقاهة" – على حد وصف أحد رموزها- ، وهي الشروط التى قوبلت بالرفض من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، قبل أن تعيد الكرة مرة ثانية فى سبتمبر من نفس العام، لكن مع طلب آخر إضافى وهو تأجيل الانتخابات البلدية والتشريعية ستة أشهر، مما أدى إلى تقويض العملية التفاوضية بعد رفض الطرف الآخر وقف الأجندة الانتخابية أو التفاوض خارج سقف الآجال القانونية المنصوص عليها، وهي إجراء الانتخابات التشريعية والبلدية قبل نهاية 2013 كما تم تداوله فى كواليس النخبة السياسية سبتمبر 2013 أي قبل شهرين من الانتخابات البلدية.
ومن أبرز الشروط التى تم طرحها من قبل المعارضة فى وثيقة الضمانات الانتخابية سنة 2013 :
(*) دعوة هيئة الناخبين فقط بعد وصول عملية الإحصاء إلى 90% وعملية سحب بطاقات التعريف إلى 80%، وهو ما يقوض الآجال القانونية بشكل واضح ويربك الهيئة المكلفة بالعملية الانتخابية حسب الطرف الآخر
(*) إدلاء قادة الجيوش والمؤسسة الأمنية بتصريحات إعلامية مصحوبة باليمين حول الحياد وأخذ مسافة متساوية من الجميع، ودمج وحدة الحرس الرئاسى فى الجيش أو إلغائها بشكل نهائى.
(*) التزام الرئيس وأعضاء الحكومة بعدم الترشح أو دعم أي مرشح فى الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية.
مع سلسلة أخرى من الشروط كتعيين مجس دستورى توافقى وتعيين مدير جديد للحالة المدنية وإقالة المكلفين بتسيير المؤسسات الإعلامية العمومية واختيار آخرين لنفس المهمة، مع إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات من جديد.
شروط كانت كافية لرفض الحوار من قبل السلطة قبل إطلاقه بشكل رسمى، ومقنعة لأحزاب المعارضة المقاطعة أصلا من أجل تعزيز موقفها وجر الآخرين إليه، بينما كان رموز حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض يصارعون من أجل إقناع المعارضة بضرورة المشاركة وعدم تضييع الفرص الواحدة تلو الأخرى، ويخضعون فى الوقت ذاته لضغط القواعد الشعبية من أجل حسم ملف المشاركة بشكل مبكر تفاديا للخسارة فى ظل معارضة حسمت أمرها لصالح المقعد الشاغر.
ومع إقرار حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض "تواصل" لخيار المشاركة تفرغ رفاقه فى المنسقية لسلخه بكل الأسلحة المتاحة بغض النظر عن الضرر الذى سيلحق بجمهور المعارضة وأحد أبرز أحزابها، ودون اكتراث بالحرب الأخرى التى يواجهها الحزب من نظام يرى فيه الخطر الداهم على قواعده الشعبية، محاولا ترويضه بعدما دخل العملية السياسية دون حليف أو نصير ..
معطيات كانت مزعجة وحرب عبثية خاضتها الأطراف المعارضة وشيطنة للحزب استخدمت فيها مجمل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وهو ما تبدو المعارضة وكأنها تمهد له من جديد عبر " وثيقة الضمانات" المتوقع طرحها للساحة السياسية .. فهل يلدغ الإسلاميون من جحر المعارضة مرة ثانية؟ وهل يقبل قادتهم التوقيع على التزامات أخلاقية دون المرور بالمجالس المخولة حصريا بحسم كبرى القضايا السياسية؟.
زهرة شنقيط
---------
ميثاق الشرف الذى وقعته المعارضة فى الثالث من أغشت 2012 ( وثيقة)