شكل إسقاط التعديلات الدستورية فى مجلس الشيوخ بداية مرحلة جديدة من الحراك السياسى داخل الأغلبية الداعمة للرئيس، بعدما عجزت الرئيس عن تمرير مشروعه داخل الغرفة البرلمانية، وأنحاز أغلب المحسوبين عليه إلى خندق المعارضة فى لحظة بالغة الدقة والتأثير.
لم يعلن رئيس المجلس محسن ولد الحاج تبنيه للنتيجة أو انحيازها لمن صوتوا لصالح إسقاط مشروع الرئيس، لكنه لم يحزن للقرار الذى شكل هزة للأوساط السياسية والأمنية داخل معسكر الرئيس، ولم يعر الأمر أي اهتمام فى الجلسة الختامية لآخر دورة برلمانية يشارك فيها أعضاء مجلس الشيوخ.
33 شيخا قرروا التصويت ضد التعديلات الدستورية، بينما لم يبلغ عدد الملتزمين بقرار الرئيس 20 شيخ، وسط حالة من الصدمة داخل النخبة التى راهنت على تمرير التعديل الدستورى بأغلبية مريحة، ودافعت عن خطط الرئيس محمد ولد عبد العزيز وتصوره للمشهد السياسى بموريتانيا.
بدت الساحة الداخلية للأغلبية مهزوزة فى انتظار ردة فعل الرئيس، لكن محاولة استيعاب اللحظة كلف الرئيس أكثر من خرجة إعلامية دون اتخاذ أي قرار بشأن من عارضوه وأسقطوا مشروعه أو التسعة التى ظلت متمسكة بخطه، رغم السخرية والغمز واللمز واتهامها بالنفاق للحاكم وابتلاع خططه دون تفكير.
يجزم صناع القرار بموريتانيا – وهم قلة- أن تجاوز الرئيس لحادثة إسقاط التعديلات الدستورية غير ممكن، ويقول أحد معاونيه إن نفس الرجل طويلة، لكن مسامحة المتمردين عليهمن معسكر الأغلبية على وجه التحديد تعنى نهاية الصورة القوية التى ظهر بها للرأي العام عشية انقلابه على الرئيس معاوية ولد الطايع 2005 ، وتشجيع التمر عليه فى آخر سنتين من مأموريته الثانية والأخيرة وفق أحكام الدستور.
بدت الصورة الداخلية مربكة لمن حاولوا تحليها أو استنطاق مجريات الأمور بالبلد، لكن تحرك الرئيس إلى معارضيه كان أسرع من محاسبة الموالين له، وهو أسلوب دأبت عليه أنظمة العالم الثالث، لكن هل ستقف عجلة الاستهداف عند ملف الشيخ محمد ولد غده ورفاقه من رموز المعارضة أم نيران الاستهداف ستصوب من جديد إلى النخبة الموالية التى طالما تغنت بأمجاد الرئيس قبل الانقلاب عليه.
مساء السابع من نوفمبر 2017 كانت أولى تصرفات الرئيس تقرأ بوضوح فى عاصمة الجنوب (روصو)، بعدما حاصرت قوات الشرطة منزل رئيس مجلس الشيوخ السابق وشيخ المقاطعة ورجلها الفاعل لأكثر من عقد، فى مشهد لم يتوقعه أسوء المتشائمين بالضفة والقرى المحيطة بها.
المنزل الذى كان الدخول إليه مصدر راحة لكل رموز الأغلبية بولاية أترارزه، باتت اليوم مقتنياته فى مخازن تابعة للإدارة ، فى محاولة لطمس مكانة الرجل والتنكيل به، وسلبه أبرز مظاهر النفوذ.
لقد وقف الجميع قرب المنزل وهم فى حالة من الدهشة والحيرة، بينما كانت شاحنات الإدارة الإقليمية تدلف إلى المكان، محاطة بقوات الشرطة والحرس وبعض المكلفين بتسيير الملف من أجل انهاء سيطرة ولد الحاج على مركز منظمة استثمار نهر السيغال الذى كان يدير منه أعماله ويمضى فيه أغلب وقته بعاصمة أترارزه، بعد أن تحول بقدرة قادر من مقر للمنظمة إلى منزل خصوصى تحيط به الأسلاك الشائكة والحراس.