لماذا أحجم الرئيس عن اتخاذ أي تدابير بعد الاستفتاء الأخير ؟

شكل الاستفتاء الدستورى الأخير محطة مهمة من محطات السجال السياسى داخل البلد خلال العشرية الأخيرة، وزاد تصويت الشيوخ بالرفض قبل طرح التعديلات الدستورية للإستفتاء من سخونة المشهد، بعدما أنكشفت الأغلبية الداعمة للرئيس فى لحظة حرجة ، وتركت الرجل فى ساحة النزال مع معارضيه من دون أغلبية منسجمة أو جمهور مساند.

 

ورغم الصدمة الكبيرة داخل هرم السلطة والارتياح المعاكس فى صفوف المعارضين عشية تصويت مجلس الشيوخ، إلا أن الهزة النفسية داخل معسكر الأغلبية ظلت محكومة بمنطق العناد ورفض الإنحاء و التعالى على الجراح، رغم الغضب الذى عكسته أول خرجة للرئيس بعد انقلاب الشيوخ المحكم.

 

حاول ولد عبد العزيز تدبير أموره خارج منطق المؤسسات، فالأغلبية التى كان يتمتع بها داخل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ خذلته لحظة عبور الجسر، والتمرد الذى أظهرته القوى الفاعلة فى الأغلبية ضد رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم وقرارات الحزب الداخلية، أظهرت أنه موجه للرئيس محمد ولد عبد العزيز ذاته دون مواربة أو تردد أو خوف من مآلات الأمور، كما أن القوى التى قادت العصيان الحزبى هي ذاتها القوى التى خططت لإسقاط هيبة الرئيس داخل المجلس وخلط الأوراق فى الساحة بشكل لم يتوقعه أسوء المتشائمين فى معسكر الرجل الممسك بزمام الأمور فعليا منذ الثالث من أغشت 2008.

 

بدى الرئيس أمام العامة والدهماء مستنكفا أو عاجزا عن اتخاذ أي قرار صارم أو مستعجل بشأن منذ خذلوه لحظة الحسم، رغم الشعور بمرارة الموقف واتهامهم بنقض العهد والكذب عليه، والخروج عن المألوف من الفعل السياسى داخل الأحزاب الحاكمة فى النظم الديمقراطية أو المتخلفة على حد سواء.

 

وأرتفعت الأصوات المناوئة له فى الشارع، متهمة إياه بالفساد والمحسوبية وتعطيل المؤسسات التشريعية، ولوح البعض بإسقاط التعديلات الدستورية فى الشارع، منتشيا بما تحقق داخل المجلس، وحمل السكان على مقاطعة الاستفتاء بدعوى عدم قانونية الخطوة، بل إن جهود الأغلبية وبعض الوزراء داخل التولفة الحالية أظهرت حجم الفتور والتردد الذى أصيب به معسكر الرئيس منذ الإطاحة بمشروعه داخل مجلس الشيوخ فى تصويت كان يهدف إلى تقويض صورة الرجل داخل الساحة السياسية بعد 9 سنين من مساعيه الرامية إلى تجذير نفسه ومشروعه بمنجز على الأرض أو حسم يميزه عن غيره من الرؤساء الآخرين.

 

لقد كانت حركة الأغلبية طيلة الحملة المحضرة للدستور شبه مشلولة، ناهيك عن استعراض المظاهر الخادعة ببعض المناطق، ضمن تنافس محموم بين القوى الفاعلة فيها، وكانت الصراعات الداخلية أقوى من الشعور بالمسؤولية المشتركة عن تمرير الاستفتاء أو إعادة الاعتبار لتحالف مصالح هزته ضربة داخلية فى وقت حرج من تاريخه، وتتربص به قوى فاعلة على الإعلام والخارج ترى فى إسقاطه وتشويه فرض عين أكتملت أركانه.

 

 

 يعتقد الرئيس وبعض أركان حكمه أن نتائج الاستفتاء كانت كافية لتمرير التعديلات الدستورية وإسقاط مجلس الشيوخ بالأساس، لكن هل كانت من الناحية السياسية كذلك؟ وما الذى ترتب عليها داخل الأغلبية أو خارجها؟ ولماذا أستبدل تمرد الشيوخ ضد الحزب إلى تمرد الحكومة عليه؟ وهل أسس الاستفتاء لفجوة جديدة بين الحزب الحاكم وأعضاء الحكومة ؟ وهل يكون الحراك الجارى داخل الأغلبية الداعمة للرئيس و التمرد الوزارى داخل الحزب الحاكم بتخطيط وتوجيه محكم بداية لعمل لما تكتمل كل ملامحه فى انتظار 2019؟ ..

 

يقول البعض إن تجربة محافظ البنك المركزى الأسبق الزين ولد زيدان 2007 كانت ناجحة وإن اكتمال أركانها  ( دعم أبرز القبائل والتجار) قد يخلق واقعا على الأرض يصعب تجاوزه، أو على الأقل فرز كتلة سيتم التعامل معها 2019 بقدر كبير من الاحترام والمسؤولية .. فمن سيكون البطل الآن؟ ومن يخطط فعلا لإعادة تمثيل المشهد؟ وهل نضجت كل أوراق اللعبة السياسية ، أم أن الرئيس لايزال الممسك الأهم بمجمل خيوط اللعبة داخل الأغلبية الداعمة له أو بعضها على أقل تقدير؟.

 

كان الرئيس الدورى للمعارضة الموريتانية محمد جميل ولد منصور يردد بشكل دائم إن الاستفتاء الأخير "غير شرعى والقضايا المطروحة فيه غير ضرورية وغير ملحة .. فلماذا الإصرار على تنظيمه؟". لكن جواب الأغلبية طيلة الحملة وقبلها يبشر بموريتانيا جديدة، لم يتضح من معالمها غير تعيين محاسبين تكريما لبعض رموز المعارضة المشاركة فى الحوار أو فصل نجل الشيخ الوقور محمد ولد الحمير من مهامه .. فهل تكون تلك هي النتائج النهائية لمسار بهذا الحجم من التعقيد؟ أم للرئيس مايقوله قبل الثامن والعشرين من نوفمبر أو بعده؟.

سيد أحمد ولد باب / مدير موقع زهرة شنقيط