احتفلت قناة الجزيرة القطرية مساء اليوم الأربعاء 01 نوفمبر 2017، بمرور 21 سنة على انطلاقها التي كانت سنة 1996، وذلك بحضور الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومدراء شبكة الجزيرة، وعمالها، والمئات من رموز الإعلام في العالم.
واستهل الحفل بتقرير مطول من إعداد الصحفي فوزي بشرى حول مسار القناة وتطورها إلى شبكة عالمية رائدة في 21 سنة هي عمرها منذ التأسيس.
وتحدث المدير العام لشبكة الجزيرة مصطفى سواق عن التحديات التي تواجه الشبكة، والمساعي التي ستتخذها لمواكبة تلك التحديات والسير نحو الريادة التي حققتها منذ الانطلاقة.
وبين سواق دور الجزيرة على مستوى العالم العربي والإسلامي، كما أسهب في شرح سر التفوق والنجاح الذي ميز كافة قنوات الشبكة، ومواقعها على الانترنت.
من قناة إلى شبكة عالمية.
كان أمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو يؤسس قناة "الجزيرة"، في تسعينيات القرن الماضي، يحلم بأن يصنع شيئاً مختلفاً عن السائد، فوصلت القناة حتى إحداث زخم يصل إلى حد مطالبة دول ذات ثقل بإغلاقها؛ حيث باتت قادرة على مواجهة الحجّة بالحجة والإعلام بإعلام مثله.
وتحتفل الجزيرة بدخول عامها الحادي والعشرين، مطلع نوفمبر 2017، وهي في خضم معركة وجود؛ بعدما وضعتها دول الحصار في قلب الأزمة السياسية التي تعصف بمنطقة الخليج العربي، الأمر الذي يثير تساؤلات عمّا إذل كانت القناة ذات المصداقية "المزعجة" لكثيرين، ستنحني مستقبلاً أمام عاصفة السياسة أم أنها ستمضي قدماً فيما بدأته قبل عقدين، حتى وإن كانت محاطة بموج خلافات سياسية يبدو للمتابع وكأنه كالجبال.
في العام 1996، وتحديداً بعد ظهر الأول من نوفمبر، بثّت الجزيرة أولى نشراتها لتنطلق بعدها كرصاصة غادرت فوهة البندقية وهي غير عازمة على اتخاذ قرار بالرجوع، محدثة دوياً كاد يصيب آذان أنظمة سياسية لا تؤمن أو لا تعرف حرية الصحافة، بالصمم.
وقبل أيام من احتفالها بعيدها الحادي والعشرين، أكد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في حوار مع قناة "سي بي أس" الأمريكية، الجمعة 27 أكتوبر 2017، أن "الجزيرة لن تُغلق"، ليوصد بذلك أبواب التكهنات بمستقبلها في ظل مطالبة الحصار بإغلاقها.
وكانت دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، قد وضعت مطلب إغلاق الجزيرة ضمن ما وضعت من شروط لرفع الحصار عن قطر، إبان إعلان هذه الدول قطع علاقاتها مع الدوحة وفرضها حصاراً خانقاً عليها في 5 يونيو الماضي، مؤكدة بذلك عدم قدرة الدول الأربع على سماع أي صوت مخالف، ليس فقط داخل حدودها وإنما في المنطقة كلها.
ولعل الدور الكبير الذي لعبته "الجزيرة" في دعم ثورات الريع العربي الذي اندلع أواخر العام 2010، ومن قبله دورها في فتح عيون الشعوب على حقوقها وتشجعيها على رفع صوتها في وجه قيادات ظلمت شعوبها، كان له أثر بارز في صعود القناة.
صحيفة الإندبندنت البريطانية، قالت في الـ11 من أكتوبر 2017، إن بقاء قناة الجزيرة أمر مهم للغاية، مشيرة إلى أن المنطقة تشهد حالة من الحرب ضد حرية التعبير بشكل غير مسبوق، وأن قناة الجزيرة ومنذ نشأتها أسهمت إسهاماً بليغاً في توسيع رقعة الحرية.
منذ بدايتها، رفعت الجزيرة شعار (منبر من لا منبر له)، لتفتح بذلك نافذة للأصوات المعارضة التي طالما كممتها أو حجبتها أنظمة بلادها.
ومنذ ذلك الحين عرف المواطن العربي عن السياسة وحقوق الإنسان ما لم يكن يعرفه ولا يسمع به. بل إنها رفعت سُتُر الحجب عن معارضين ونشطاء ومحللين وخبراء عرباً لم يكن يسمع بهم أحد حتى في بلدانهم، ليصبحوا، بفضل الجزيرة، نجوماً لامعة في سماء الإعلام، بل إن بعضهم شغل مناصب وزارية واحتل مواقع سياسية بفضل ظهوره على القناة.
وجود شاشة كالجزيرة بأدائها المحترف وكاريزمات مذيعيها ولغتهم القوية السليمة وأطقمها التي تغطي الحدث كالشمس التي تسطع في كل مكان، كان بمثابة إهانة تاريخية وسياسية لأنظمة عربية لا ترى في وسيلة الإعلام إلا منفذاً لطرح أفكارها والترويج لها، ولا ترى في الصحفي إلا جندياً من جنودها، ولا ترى في الإعلام ككل إلا سلاحاً من أسلحة تغييب شعوبها.
كما أن وجود وسيلة إعلام حرة، كان يبدو كالشذوذ عن القاعدة عند هذه الأنظمة، ويمكن القول إن هذه العقلية غير المؤمنة بالسياسة أو تداول السلطة أو حق الشعوب في تقرير مصيرها، يبرر هذا العداء المتجذر مع الجزيرة، فما تدعو له القناة القطرية من حرية وديمقراطية وشفافية لا يعدو كونه درباً من دروب الخيانة في قواميس بعض الأنظمة.
الأزمة الأخيرة التي تواجهها الجزيرة، هي الأصعب على الإطلاق، وإن لم تكن الأولى، فقد سبق أن أغلقت مكاتبها في دول واعتقل موظفوها في دول أخرى، فضلاً عن تهديد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن، بقصف مقرها بالدوحة، ذات يوم؛ بعدما تناولت مجازره في العراق.
- إغلاق واعتقالات
وخلال سنوات سابقة، أغلقت مكاتب الجزيرة في مصر والسعودية والمغرب ودول أخرى بعدما اعتبرت حكومات هذه الدول نقل الجزيرة لرواية مخالفة لروايتها، في بعض القضايا، تدخلاً في شؤونها الداخلية وتحريض للمواطنين على إسقاط دولهم.
الجزيرة أيضاً كانت الوحيدة من بين وسائل الإعلام التي احتجزت الولايات المتحدة أحد موظفيها في معتقل غوانتانامو، وذلك عندما وضع مراسلها سامي الحاج (سوداني الجنسية) في المعتقل سيء السمعة 6 سنوات (2002-2008)، بعدما اعتقلته حكومة باكستان خلال محاولة عبوره إلى أفغانستان لتغطية الغزو الأمريكي لها عقب 11 سبتمبر 2001، وسلّمته لواشنطن التي فشلت في إدانته بأي جريمة بعد 6 سنوات من الاعتقال. كما قتل وأصيب عدد من موظفيها وهم في قلب المعارك.
الحكومة الإسبانية هي الأخرى اعتقلت مراسل الجزيرة تيسير علّوني (سوري الجنسية)، وسجنته 7 سنوات من 2005 وحتى 2007، بتهمة إساءة استخدام موقعه الصحفي، وذلك بعد لقاء أجراه مع زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.
وفي مصر، اعتقلت السلطات بعد انقلاب يوليو 2013، ثلاثة من صحفييها هم بيتر جريستي (أسترالي) ومحمد فهمي (مصري-كندي) وباهر محمد (مصري)، وقد ظلوا رهن الاعتقال نحو عام قبل أن تغلق قضيتهم. كما اعتقلت مراسلها المصري عبد الله الشامي، ووضعته في ظروف غير إنسانية حتى أوشك على الموت. ولم تطلق سراحه إلا بعد 11 شهراً.
دخل الشامي في إضراب عن الطعام منذ 21 يناير 2014، اعتراضاً على طول فترة حبسه الاحتياطي من دون إحالته إلى محاكمة، ورفض الاستئناف لإخلاء سبيله، فضلاً عن أوضاع حبسه السيئة، وقد أضربت زوجته عن الطعام تضامناً معه حتي تم إخلاء سبيله بعد 130 يوماً من الإضراب.
وحاليا يقبع مراسلها المصري محمود حسين في الاعتقال منذ أكثر من 10 شهور دون توجيه تهمة محددة. وهو يعاني ظروفاً صحية ومعيشية سيئة، وترفض السلطات في مصر الاستماع إلى المطالبات الدولية بالإفراج عنه.
ويواجه عدد من المصريين العاملين بالجزيرة قضايا إسقاط جنسية وأخرى متعلقة بالأمن القومي للبلاد، وقد صدر حكم بإعدام مدير أخبار القناة السابق المصري إبراهيم هلال، وهو واحد من أشهر الصحفيين في العالم.
زهرة شنقيط + وكالات