يجلس رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز صباح كل خميس بالقصر الرئاسي بالعاصمة نواكشوط مع كوكبة من رموز البلد المكلفين بتدبير الشأن العام، وبعض الوزراء الفاشلين.
لايخلو اجتماع حكومي من وعظ وارشاد، وتلويح بالتهديد والتوبيخ، وكلمة ختامية تحذر من السرقة، وتدعو إلي تقريب الإدارة من الموريتانيين، ومراقبة تسيير أبرز الفاعلين بالمشهد.
يسارع أعضاء الحكومة إلي نقل توجيهات الرئيس عبر وسائل الإعلام الرسمية في الساعات الأولي من مساء الخميس، ويتباري البعض في مجالسه الخاصة في كيل النقد للرئيس، وصعوبة العمل معه، وما آل إليه حال الموظفين الكبار في عهده من تضييق وتشديد للخناق، ويستمتع البعض بتعريض أقاربه وكبار معاونيه بالرئيس والمحيطين به، ويلجأ آخرون – للأمانة- إلي القيام بأعمالهم دون كثير ضجيج أو خوض في تفاصيل اجتماع الحكومة أو توجيهات الرئيس.
غير بعيد من مقعد الرئيس يجلس وزير المالية علي الدوام، وعلي بعد أمتار منه يعبث وزير المياه بقلمه وهو يستمع إلي أوامر الرئيس وشتائمه، وتنصت وزيرة البيطرة والجلود لما يدور داخل الاجتماع،وتبدو وزيرة الرياضة غائبة بفعل ضعف التركيز.
ينفض الاجتماع وقد سمع البعض أسماء المعينين الجدد، أو غير مهم يمكنه أن يسأل عنها بعض الوزراء خارج قاعة الاجتماع أو ينتظر البيان الحكومي للتأكد من هويات بعض المغادرين للوظيفة والداخلين إليها من جديد!.
بعد أيام تثور ضجة أخري، فيكتشف الرئيس أن رفاقه أو رسله للموظفين غير أمناء، تثور ثائرته، يضرب الطاولة ويشتم، يحاول معرفة أسباب الخلل، غير أن الرؤوس اليانعة لاتعرف كيف تجيب الرئيس، وتعود النخبة إلي عجلة الوعظ والزجر والتوبيخ وعصيان الأوامر من جديد.
يدرك أغلب الفاعلين بموريتانيا أن هيبة الرئيس تضررت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وأن قدرته علي التغيير باتت محدودة بفعل عجزه المطلق عن وضع حد لتلاعب كبار مساعديه بالأوامر واستشراء الفساد في بعض أجهزة الدولة الحساسة كالمالية والإسكان والمياه والبيطرة والجلود ..
لقد تغيرت نظرة الشارع للرجل بعد الفضائح الكبيرة التي هزت مسار العمل الحكومي، وضعفه أمام الوزراء بدليل عجزه عن اجراء أي تغيير، حتي للنخبة التي تجاوزت الوقت المقبول عرفيا، وعملت مع أربعة وزراء في سابقة خطيرة في تاريخ الأحكام السياسية بالعالم ماتزال في مكاتبها، مستمتعة بتحطيم أرقام غينس في الاستقرار.
يتحدث الناس في الشارع بأريحية عن دور بلد خليجي معروف في التمكين لأحد الوزراء، وعجز الرئيس عن تغييره أو نقله لمهمة أخري استجابة لتلك الأوامر الخارجية، ويتحدث آخرون عن دور بعض العسكريين في فرض وزير بذاته رغم أدائه الضعيف، وقطاعه الذي يشهد ارتدادات مخلة بواقعه بفعل تضارب الأسعار العالمية وتراجع بعضها،ويجزم آخرون أن أحد رفاق الرئيس من الضباط النافذين وراء فرض سيدة لاتعي ما تفعل، ولا تحسن الحديث في المجالس،بل عاجزة حتي عن تسيير مكتبها الصغير.
أما شيوخ القبائل وكبار "الحجابه" فلديهم أكثر من مدير وسفير.
هل من حراك أو تغيير؟
يري البعض أن الرئيس لايزال لديه الأمل في استعادة بعض صورته المحطمة كأشلاء الترحيل، وإعادة الثقة لنفسه ومحيطه قبل انقضاء المأمورية الثانية من حكمه، وربما الأخيرة إذا لم يقدم علي تعديل فج للدستور أو انقلاب جديد.
وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات أبرزها:
إقالة عدد من أعضاء الحكومة المتهمين بالفساد أو العجز أو ضعف التسيير
تنقية الحكومة من أصدقاء نوح –عليه السلام- ممن لا يزالون في مراكزهم الحساسة منذ الفترة الانتقالية 2005 أو حكومة الانقلاب الأولي 2008، وإعطاء دفعة معنوية للعمل الحكومي من خلال تغيير جزئي ومحدود.
تغيير شامل في السفارات الموريتانية في الخارج يعتمد إعادة تدوير بعض الأشخاص، وإحالة آخرين للتقاعد الإجباري ليتمتعوا بأكل ما اختلسوه في الأيام الخوالي قبل الرحيل النهائي.
إعادة تحريك بعض الإدارات المركزية وتغيير القائمين عليها.
إعادة بث الروح في وسائل الإعلام العمومية من خلال الدفع بجيل شبابي قادر علي الانجاز ومتحرر من العقد النفسية.
سجن عشرة من كبار المفسدين بينهم وزير أو وزيرين من أجل ردع الآخرين
إقالة ضابط أو اثنين ممن عرفوا بضعف التسيير أو سوئه، واعطاء صورة واضحة للرأي العام بأنه الرئيس فعلا هو من يدير الأمن والجيش.
إقالة كل رؤساء الجامعات واجراء انتخابات جديدة من أجل تحريك المؤسسة التربوية في بداية المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس.
تعزيز قبضة القضاة الشباب علي المحاكم، وإقصاء القضاة المعروفين بضعف الكفاءة من أغلب الدوائر لتحرير القضاء من لوبيات الضغط والمنتفعين.
.
زهرة شنقيط